هواجس الانقسام الأردني حول سورية


الانقسام في الرأي العام الأردني نحو الأحداث في سورية, يتّسع ويتعمق ويشتدّ. وهو لم يعد خلافا حول النظام السوري, بل حول التدخل الخارجي في سورية.

الإخوان المسلمون وحلفاؤهم يقودون قسما من الرأي العام, ولا يُخفون تأييدهم للقرارات الخليجية ¯ العربية نحو سورية, ويطالبون الحكومة الأردنية بسحب سفيرها من دمشق وطرد السفير السوري من عمان, والاعتراف بالمجلس الانتقالي في اسطنبول. ومن الواضح أنهم ماضون إلى تأييد " الإخوان" السوريين في دعوتهم إلى التدخل العسكري التركي, بما في ذلك احتلال حلب وتحويلها إلى بنغازي جديدة في سورية.

اليساريون والقوميون وناشطون رئيسيون في الحراك الشعبي في المحافظات, تخلّوا عن تحفّظاتهم السابقة على النظام السوري, وبدأوا حملة مضادّة من البيانات والتحركات ضد التدخل الخليجي والتركي والغربي في الشؤون السورية. وهم يطالبون الحكومة الأردنية بعدم التورّط في المخططات المعادية لسورية, والسعي نحو لعب دور إيجابي في حل الأزمة السورية.

وما يزال الانقسام الأردني حول سورية في بدايته. وهو لم يتحول بعد إلى صدامات بين الاتجاهين. فقد تكوّنت, بالفعل, الكتلة الحرجة الرافضة لعزل سورية ومحاصرتها والعدوان على سيادتها تحت أي مبرر كان. وسوف تنمو هذه الكتلة بتسارع يؤذن بالاشتباك.

ويتداخل في الانقسام الأردني حول سورية, مستويان, أولهما يتعلق بالصراع الأيدولوجي بين القوميين اليساريين والإخوان المسلمين, وبالموقف السياسي من التحالف الأمريكي التركي الخليجي, ويتعلق ثانيهما بالشأن الأردني الداخلي; ذلك أن أي انتصار يحققه ذلك التحالف في سورية, سوف يقوّي شوكة "الإخوان" ضد القوى الشعبية والتقدمية الأردنية.

على هذه الخلفية, سيكون أفضل ما تصنعه السياسة الرسمية الأردنية حيال سورية هو الحياد. إلا أن العديد من المؤشرات ينبئ بالعكس. فقد اتضح أن هنالك توجهات رسمية للتدخل الفعال في الشأن السوري. وهو, في رأيي, خطأ جسيم...

أولا, لأنه سيعزز الانطباع حول صفقة رسمية مع "الإخوان", مما سيؤدي إلى استقطاب سياسي حادّ في البلاد, ويرفع من حدّة التوتر ومن سقف الحراك الشعبي, ويدمج العناصر القومية واليسارية في جبهة مضادة للصفقة المذكورة وطرفيها.

ثانيا, لأن الإندراج الرسمي في الحملة على سورية, لا يمكن ضبطه بحدود مدروسة, وسيتدحرج مرغما وراء التحالف الأطلسي الخليجي التركي, نحو تورّط كامل باهظ الثمن سواء لجهة احتمالات الاشتباك الحدودي أو لجهة تمكين "الإخوان" سياسيا وتسهيل وجود ونشاط العناصر" الجهادية" في البلاد. وهو, كما أثبتت التجارب, سلاح مرتدّ.

ثالثا, لأن المشاركة في الحملة على سورية لن تؤدي إلى تراجع المطالب الإصلاحية في الأردن, بل العكس تماما. فالكلام الرسمي الملتبس حول التغيير الشامل في سورية, فتح, على الفور, ثغرة في الحاجز النفسي السياسي أمام شعار مماثل في الأردن, ولا يمكن احتساب تطور موقف كذاك, إذا ما حصل بالفعل تدخل أردني في سورية.

رابعا, لأن تقدير الموقف الاستراتيجي حول الاحتمالات في سورية ينبغي أن يأخذ بالاعتبار عناصر القوة التي يتمتع بها النظام السوري بالفعل. فالدولة السورية ما تزال تعمل, بكفاءة, في كل المجالات.

ويبلغ عديد الجيش السوري, المتماسك والموالي, حوالي أربعماية ألف لم ينشق او يتسرب منهم سوى عشرة آلاف, في حين تحوّلت قوة المعارضة المضادة للنظام من المظاهرات الجماهيرية التعددية والديمقراطية والسلمية إلى شبكة من المجموعات المسلحة ذات اللون المذهبي. وهي, بذلك, فقدت تفوّقها الأخلاقي الذي يعد السلاح الأقوى في يد أية معارضة. 0