شعار ديمقراطي وأهداف مستوردة
اخبار البلد - خلافاً للمألوف أو السائد، القائم على محاولات إعادة قراءة إنتاج التاريخ بعد فوات الأوان، سأحاول بموضوعية ما أمكن، إستحضار محاذير وبالتالي مخاطر مستقبلية، لتفاديها هذه المرة قبل فوات الأوان.
لنبدأ إذن بالسؤال: ما الجديد في مقولة أن الانقسام الفلسطيني مصلحة إسرائيلية استراتيجية؟!
أجده في تكثيف سعي الأطراف المعادية كافة، إلى تعميق الانقسام وتأبيده، وصولاً إلى حالة من الانفصال الدائم بدلاً من الانقسام القائم، لكن هذه المرة بشعارات برّاقة وبأدوات تبدو ناعمة، ألم يكن تنفيذ هذا الانقسام، سواء في بعض أجزائه اوفي بعض الأحيان بتخطيط إسرائيلي خالص وما زال كذلك أيضاً؟
إن كان صحيحاً وهو كذلك، ففي أي سياق برأيكم تأتي دعوة المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات العامة الفلسطينية، وما هي أهدافه المستورة من وراء ذلك؟!
يأتي قرار المجتمع الدولي، خاصة الجانب الأميركي منه، بضرورة إجراء هذه الانتخابات، ليس بهدف دمقرطة الواقع الفلسطيني وتجديد شرعية مؤسساته، وصولاً إلى تركيز القرار الفلسطيني وتمتين جبهته الداخلية بتفعيل منظمة التحرير وتأكيد شرعيتها ووحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني للبناء على ذلك سياسياً تجاه إحقاق الحقوق الفلسطينية وتحقيق قيم الحرية والعدالة والمساواة، إنما بهدف معاقبة الرئيس محمود عباس بسبب "اللا" الرافضة لمشروع الضم ومخططات التصفية، فالمطلوب إذن إقصاء رأس الشرعية الفلسطينية، والطريق الأقصر لتحقيق ذلك من وجهة نظر المجتمع الدولي، هي عبر إجراء الانتخابات دفعة واحدة ، الأمر الذي يفسر أسباب الإصرار الفلسطيني على إجراء هذه الانتخابات بالتتابع وليس بالتزامن، ذلك أن التتابع يمنحنا أولاً فرصة جدية لاختبار حقيقة الموقف الحمساوي من الوحدة ومدى تحقيقها فعلياً، فضلاً عن أنها تقطع الطريق ثانياً على المجتمع الدولي الراغب بإقصاء رأس الشرعية الفلسطينية دفعة واحدة ، في حال تم إجراء الانتخابات بالتزامن.
يقول البعض بأن الذاكرة السياسية مداها قصير، أختلف أو أتفق مع هذا قليلاً أو كثيراً ليس هذا المهم، لكن برأيي ما أشبه اليوم بالأمس، إذ يحضرني هنا حصار الشهيد ياسر عرفات واغتياله بالسم لاحقاً، عقاباً له على "اللا" الرافضة لكامب ديفيد آنذاك، وها هم اليوم، لكن بأدوات مختلفة وبشعارات براقة لها علاقة بالديمقراطية وتجديد الشرعية، يسعون لتحقيق ذات الهدف مع الرئيس محمود عباس – لهذا يمنع وطنياً فشل هذه الانتخابات أو خسارتها ، لخطورة هذا وذاك على المشروع الوطني ككل، فهو على المحك، سواء من حيث الخطورة المتمثلة بوجود الاحتلال وإجراءاته على الأرض، أو من حيث المخاطر والتحديات الداخلية التي تتقاطع بقصد أو بدون قصد مع هذا الاحتلال ومخططاته التصفوية، وعليه، ما المطلوب إذن؟
المطلوب بالتأكيد هو استمرار المضي قدماً تجاه إنجاح العملية الانتخابية، سواء بشقها الإجرائي أو بمخرجاتها ونتائجها، من خلال جلب حركة "حماس" للنظام السياسي الفلسطيني على أساس مفهوم وطني، وفق رؤية قادرة على التحليق في الفضاء الإقليمي والدولي، بهذا فقط نحيل هذه الانتخابات إلى أداة نضالية قادرة على مواجهة هذا الاحتلال، وللرد أيضاً على اليمين الإسرائيلي المتطرف، ولإفشال مخططات التصفية على صخرة واقع الوحدة وطي صفحة الانقسام، ونكون بذلك قد نجحنا في قلب ظهر المجن، لا بل في قلب السحر على الساحر، ذلك أن البديل كارثي، لأن مخاطر الرجوع عن الانتخابات أكبر بكثير من خسارتها، ناهيك عن حقيقة راسخة مفادها بأن الانتخابات هي الممر الوحيد والإجباري لطي صفحة الانقسام واستعادة الوحدة.
وبما أن الصراع مع حركة "حماس" وبالتجربة، ليس على وزير هنا وعضو تشريعي هناك، إنما على تمثيل الشعب الفلسطيني، لذا ستعمد هذه الحركة باعتقادي، خاصة بعد أن فشلت خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة- أي منذ فوزها بأغلبية في التشريعي السابق- في تحقيق الاعتماد الإقليمي والدولي، على التركيز هذه المرة على المرحلة الثالثة من الانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني الفلسطيني، من أجل السيطرة على منظمة التحرير، وبالتالي حسم الصراع على من يمثل الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يشير إلى عدم تركيز "حماس" على تحقيق أغلبية في التشريعي، أو على تسمية مرشح حمساوي صريح لموقع الرئاسة ، بمعنى قد تتبنى موقفاً مماثلاً لموقف حزب النهضة في تونس، بحيث تقوم بدعم مرشح آخر يتساوق أو يخدم مشروعها الحمساوي، وبهذا قد تنجح في نقل مركز ثقل القيادة السياسية من الضفة إلى القطاع تحت شعار أنها المنطقة الفلسطينية المحررة.
عليه، إذا ما أحسنت حركة "فتح" التصرف، بتقديري لا داعي للخوف من جمهور الناخبين في الضفة والقطاع، إنما من توجهات ودوافع التصويت لدى الناخب الفلسطيني في الشتات، وذلك لسببين: أولهما: أن الصفر الانتخابي لحركة "حماس" في أي من المحطات الانتخابية على الساحة الفلسطينية ، بدءاً من الجامعات وصولاً إلى التشريعي، لم يتجاوز في أفضل الأحوال ما نسبته 25% من مجموع الأصوات. ثانياً: لأن حركة الأخوان المسلمين العالمية هي الحاضنة لحركة "حماس"، وهو ما تفتقده حركة "فتح"، ناهيك عن أن الفلسطيني في الخارج سيؤكد هويته العربية- الإسلامية في مواجهة الغرب- المسيحي وليس هويته الفلسطينية، مع الإشارة هنا أيضاً ، إلى الصيغة التي تعمل بها حركة "حماس" في الخارج كبديل لمنظمة التحرير، ألا وهي المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي ينضوي تحت لوائه أكثر من ستين جمعية ومؤسسة عاملة على امتداد العارض في أوساط الجالية الفلسطينية.
من هنا يجب النظر إلى هذه الانتخابات، إرتباطاً بأهميتها وخطورتها في آن معاً كمرحلة مصيرية من عمر شعبنا وقضيته، وبالتالي التصرف على هذا الأساس، وهنا تبرز أهمية توفير متطلبات نجاح هذه الانتخابات للبناء عليها سياسياً، بما يعزز قدرة الفلسطيني على مواجهة التحديات والمخاطر من جهة، واستعادة الدور والحضور، الفعل والتأثير على المسرحين الإقليمي والدولي من جهة ثانية، وفي هذا يكمن جوهر الاختبار الحقيقي، الذي لا خيار أمام الفلسطيني سوى الانتصار فيه، لأننا لا نريد اختبار مناخ جحيم الانفصال والتشظي في هذا الوطن، المشبع أصلاً بالمعاناة والعذابات الطافحة بالمرارة والألم.