هكذا يجب أن يكون الإعلام

اخبار البلد ـ تقوم بعض وسائل الإعلام أحياناً، وبدون قصد، بالترويج للأنشطة التي تضر بالمجتمع وإعطائها حجماً إعلامياً لا تستحقها في ظل الأهداف التي يسعى العمل الإعلامي لتحقيقه بما فيها من شهرة وسلطة ومال وتأثير فكري. إذ توجد ما يسمى بلعبة المصالح المشتركة بين الأطراف التي تريد التأثير بطريقة تخدم مصالحها وبين بعض وسائل الإعلام؛ فالطرفان الإعلام وهذه الأطراف يستفيدان من الأعمال غير العادية؛ فهؤلاء يحصلون على دعاية مجانية لأعمالهم، ووسائل الإعلام تستفيد مالياً لأن التقارير التي تنشر في هذا المجال تزيد من جماهيرية الوسيلة الإعلامية، ومن ثم تزداد قيمة الدعاية والإعلانات المنشورة فيها، الأمر الذي طالب فيه بعض السياسيين! بحرمان هذه الجهات المستفيدة من حرية الوصول إلى منافذ الوسائل الإعلامية، لأن تغطية أنشطتها إعلامياً، وإجراء مقابلات إعلامية مع المعنيين تعدّ جائزة أو مكافأة لهم على أفعالهم التي يعدها الآخرين خروجاً على تقاليد وسياقات المجتمع، إذ تتيح لهم المجال أن يخاطبوا الجمهور ويتحدثوا إليه عن الأسباب والدوافع التي دفعتهم لتنفيذ هذه الفعاليات، مما يتسبب ربما بحدوث نوع من التفهم لهذه الأسباب، وذلك على حساب الفعل نفسه، فقد ذكر الكثير من الأشخاص المنخرطين في هذا النوع من الأنشطة والفعاليات، أنهم تأثروا بما كانت تعرضه القنوات الفضائية، وبعض المواقع الإلكترونية في هذا المجال، فقرروا الإلتحاق بهذا النوع من الفعاليات التي تمارسها منظمات بعينها في المجتمعات الغربية.

تأسيساً على ما تقدم نؤكد أن للإعلام دوراً مهماً وكبيراً في تكوين القناعات ووجهات النظر في الحياة المعاصرة، ولم يعد التأثير حصراً على الإعلام الرسمي للدول، ولا على مراكز صنع القرار الإعلامي السياسي الدولي أو الإقليمي أو المحلي، بل أصبح كل حزب أو تجمع أو تنظيم -مهما كان صغيراً- صاحب منصّة أو موقع إعلامي يخاطب أتباعه وأعداءه والعالم أجمع، بل أصبح الأشخاص مهما كانت هويتهم الفكرية أو القومية أو الإثنية أو الدينية أو السياسية، أصحاب مواقع إلكترونية مفتوحة على كافة الناس، المقصودين بالخطاب أو غيرهم، وهذه الصورة الإعلامية المعاصرة تحمل مبشرات وإنذارات كبيرة، فقد تستخدم هذه المواقع بما ينفع الناس ويرشدهم للخير، وقد تستخدم بما يضُرُّ الناس ولا ينفعهم ويعود عليهم بالشر والهلاك، ولذلك ينبغي النظر إلى الساحات الإعلامية اليوم على أنها ميادين مواجهة إعلامية، فبعضها يخوض معاركه الفكرية أو الدينية أو الحضارية أو السياسية على مواقع التواصل الإلكترونية أكثر مما يخوضها على أرض الواقع، وخطورته أنه قد يتسبب بسفك الدماء وصناعة الأعداء، والعداء بين المتخاصمين أكثر مما لو كان في أرض المعركة، فكيف يكون الحال والعالم المعاصر مليئاً بالدعوات إلى العنف والصراع وإلغاء الآخر: الديني أو الحضاري أو الجغرافي، سواء باسم كراهية الشرق أو صراع الحضارات أو كراهية الإسلام لذاته باسم الإسلاموفوبيا، أو كراهية الغرب أو دوله أو شعوبه أو غيرها، فأصحاب الدعوات الإرهابية ليست حصراً على أتباع دين معين أو قومية أو قارة في العالم.

لا بد من التأكيد على ضرورة تكريس الإهتمام لدراسة العلاقة الدقيقة بين ما تجتهد بنشره وسائل الإعلام والأنشطة التي تقوم بها الأطراف التي تحاول استنساخ أفكار هجينة مجتمعات أخرى، من أجل التوصّل إلى فهم أفضل للعلاقة بين الطرفين، حيث أن وسائل الإعلام تستطيع التأثير على الجمهور العام وصنّاع القرار، والإهتمام الواع لوسائل الإعلام، سيفشل الأطراف الهجينة من تحقيق أهدافها أو معرفة اسمها أو أيديولوجيتها. ولا يمكن التواصل مع مؤيديها. كما لا يمكنها طرح نفسها كبديل لقيم المجتمع الإيجابية الحالية.