احمد المغربي يكتب : يا دولة الرئيس...امسك حرامي

رئيس الوزراء القاضي والقانوني عون الخصاونة في وضع لا يحسد عليه، ولا أخاله إلاّ أنّه قد ندم على قبوله تولّي هذا المنصب والذي أقل ما يقال فيه أنّه كرسي مثبت بإحكام فوق برميل من المتفجرات اشتعل طرفها، أنّى حرك نفسه النهاية مؤلمة.
على كل حال سواء هو من قام بتشكيل الحكومة بكامل حريته، أم أنّ هناك تدخلات وتداخلات لم يستطع أن يقف في وجهها من باب الإيمان بخدمة الوطن والمواطن ولو بالحد الأدنى، أو من باب الاعتقاد بأنّ الربان يستطيع أن يلقي بظلّه على مجمل حركات السفينة حتى بوجود مشاكسين، أو لأنّه يرى أنّ تكليفه بهذا المنصب يخفي نوايا صادقة نحو التوجّه لبداية سير في طريق التصحيح، أو لأيّ سبب يعتقده الرئيس، فإنّه اليوم يسأل عن كل لحظة تمرّ على وجوده على رأس الحكومة، وهو بالتالي يسطّر في سيرته الذاتية بنود جديدة لم تكن موجودة من قبل، وما كانت لتوجد لو أنّه رفض أو تملّص من الدخول إلى عش الدبابير السياسي.
نقول على رئيس الوزراء أن يحاسب نفسه بالثواني، لأنّ الشعب هكذا يحسبها اليوم، ولأنّ وضع الناس المعيشي بات أيضا يحسب بالثواني، فالجوع يزيد ثانية بعد ثانية، والغنى الفاحش كذلك يزيد ثانية بثانية، وإذا كان ملك البلاد قد أعلن أنّ الثورات سببها الفقر والجوع، فدعنا ننطلق من هذه المقولة، فالبلد فيها جوعى يزدادون، وفيها أغنياء أموالهم تتضخم بذات سرعة الفقر والجوع وبذات الدرجة والكمية، وهذا يعني أنّ المعادلة واضحة، وأنّ الطريق غير خفي، وأنّ الحل لا يحتاج إلى كثير بحث واجتهاد.
سيدي: أتمنّى أن لا تشكّل لجان، لا نريد ولا لجنة، فاللجان قد قتلتنا، ومع كل لجنة نذرف دموع الألم وآهات الرعب، لأنّ اللجان تشكّل منهم، وتدور حولهم، والقرارات تأخذها منهم، وهم يا سيدي يغتنون ونحن نزداد فقرا.
أخطر اللحظات على أيّ مالك لأي شيء هي اللحظة التي يشعر (خلسة) أنّ هناك من يسرقه، وعندما يشكّ في أيّ شخص فإنّه يصرخ بأعلى صوته: إمسك حرامي، إمسك حرامي، ونحن اليوم يا سيدي لا نشكّ أننا نُسرق، ولا نشك في أننا نعرف الحرامية، ولا يحتاج الأمر إلى معجزة لمعرفة الحرامية، فهم يا سيدي مكشوفون، وأمورهم مفضوحة، ولا نشك أنّك قد تعرّفت إلى كثير من القصص الحرامية فيها أوضح من الشمس وقت الظهر.
يا سيدي نرجوك أن تقوم بعمل بشكل سريع، من أجل الوطن، من أجل الأردن، من أجل المواطنين، من أجل الأردنيين، من أجل القانون الذي يعشش في وجدانك، قانون العدل والعدالة، من أجل أن تسجّل في سيرتك الذاتية أنّك استلمت رئاسة الوزراء مدة أشهر أو أيام فأمسكت حراميا قد أدمى قلوبنا وجفف مآقينا وأهلك أموالنا ونشّف الحليب في أثداء نسائنا ويبّس جلود شيوخنا وأطفالنا، من أجل أن يقال غدا القاضي والقانوني الخصاونة قد حكم وقضى وعدل ونفّذ وخرج من الحكومة نظيف القلب واليد واللسان، وعمل ولو بأقل العمل والإيمان.
الحرامية يا سيدي في بلدي يتفننون في السرقات، يسرقون وهم مرتاحين، شكّلوا عصابات في كل زاوية من زوايا الوطن، ففي الحياة الاقتصادية باعوا واشتروا الوطن لأنفسهم، هم وكلاء البائع وهم المشتري، فهل من قانون يجيز ذلك؟ إنّه قانونهم الذي فصّلوه لأنفسهم، فاشتروا شركات البلاد بدنانير، وباعوها بعد لحظات بمئات الملايين، أوليسوا حرامية ولصوص؟
وفي حياتنا السياسية سرقوا من كل قدراتنا، وأرادوا أن يشعرونا بأننا لا نفقه من السياسة شيء، تآمروا علينا في نظامنا السياسي، وحوّلوا السياسة إلى خساسة، وبتنا مجرد أدوات أوتوماتيكية في أيديهم، وويل لمن خالفهم، وحسبك نظرة إلى السجون، وإلى بلاد الدنيا التي هرب إليها المثقفون والمخلصون، نظرة تكشف لك من هم الحرامية، وما عليك سيدي إلاّ أن تمسكهم.
سيدي لن يتركوك، وسيبحشون من تحت كرسيك حتى يسقطوه، ولا أعتقد إلاّ أنّهم قادرون على ذلك، ولكن قبل أن يحدث ذلك، هي فرصتك يا سيدي أن تلوّن وزارتك بغير لون السواد الذي صبغ وزاراتهم، ولن يكون ذلك إلاّ إذا أنتقلت من مرحلة الصراخ: امسك حرامي، إلى مرحلة أن تمسك حرامي حقيقة.