حديث مستحق عن اللقاح
اخبار البلد - ما زالت جائحة الكورونا تشغل العالم وتتداخل فيها المصالح السياسية مع جشع الشركات، كما تربك قادةَ الحكومات حيال مبادئ الرعاية الصحية وتوجيهات منظمة الصحة العالمية إذا تعارضت مع مصالحه!
في منتصف الشهر الماضي كانت مديرة محطة ديموكراسي ناو الأميركية تتحدث مع الدكتور بيتر سولك أستاذ الأحياء الدقيقة في جامعة بيتسبرغ عن والده الراحل الدكتور جوهان سولك الذي اكتشف عام ١٩٥٠ اللقاح المضاد لمرض شلل الاطفال بعد ان ظل على مدى التاريخ يحصد ارواح الملايين من الأطفال أو يقعدهم بالإعاقة الدائمة ولا يستثني البالغين، فأحدث بذلك ضجة اعجاب كبيرة في الاوساط العلمية وفرحةً عمت شعوب الارض قاطبة، اما في أمريكا نفسها فقد قرعت أجراس الكنائس ابتهاجا واطلقت المصانع صفاراتها ودعاه الرئيس ايزنهاور إلى البيت الأبيض احتفالاً به وعندما سأله الصحفيون ان كان سيحتفظ برخصة انتاج اللقاح (كما تفعل شركات الادوية الان احتكاراً وبالقانون اللاإنساني) رد قائلاً: وهل يملك احد رخصة بإنتاج الشمس؟..
كان الأردن آنذاك اسوة بباقي بلاد العالم يعاني من انتشار شلل الاطفال ومضاعفاته المأساوية فقامت وزارة الصحة بإدخال لقاحه في برنامج التطعيم الوطني (المجاني الالزامي) وفي ثمانينات القرن الماضي بلغت نسبة التغطية به درجة عالية أهّلته لجائزة اليونيسف، والجدير بالذكر ان الوزارة لم تلجأ قط لفرضه بقوة القانون، لذلك يحز في نفوسنا هذه الايام ان يُحجم كثير من مواطنينا عن تلقي لقاح الكورونا لأسباب واهية حتى لم يتجاوز عدد المسجلين على قوائم الانتظار ٣٥٠ ألفاً من اصل العشرة ملايين نسمة! هذا في الوقت الذي تتلهف شعوب اخرى للحصول عليه فلا تتمكن بسبب ظروفها الصعبة، ونرى الولايات المتحدة نفسها التي أنتجت اللقاح تعجز عن تغطية واسعة لمواطنيها بسبب عدم توفر كميات كافية.. ولأسباب اخرى!
لقد تطرقتُ فيما مضى لقصتنا في نقابة الاطباء مع هذا العالم الكبير (جوهان سولك) وزيارته للأردن في صيف ١٩٦٧ في طريقه الى اسرائيل كما أعلمتنا الجهات الرسمية ولم يكن صعباً ان ندرك انها جزء من حملة عالمية تقوم بها الدولة المعتدية باستخدام أسماء اليهود البارزين في حقول العلم و سواها كوسيلة دعائية لسياساتها ولتغطية جرائمها التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين والعرب في حرب حزيران، لكننا تعالينا على جراحنا واستقبلناه كعالم جليل ذي فضل على الطب والإنسانية وحين تحدثنا معه في بعض الشأن السياسي القائم بدا واضحا كم هو سطحي المعلومات مغسول الدماغ وبعيد عن واقعنا وهو ضيفنا، فقد سمى الاحتلال الإسرائيلي للقدس(استعادتها) بأمر إلهي تمهيداً لمجيء المسيح المنتظر! يومئذٍ حزنّا كثيراً وإن بقينا نحمل التقدير لاسمه العلمي..
وبعد.. ما دامت الدول أسيرةً لاقتصاد يقدم ارباح الشركات على صحة البشر وحياتهم فسوف نواصل مطالبتها في مرحلة الجائحة هذه على الاقل بتحرير اللقاحات.. من ربقة الاحتكار؟!