طبقة المعالي

هناك تساؤل لدى الأردنيين باستثناء أصحاب لقب معالي ربما طُرح هنا وهناك وعل عجل واستحياء ولم يلق إجابة شافية من المشرعين والمقوننين والسبب أنهم هم أنفسهم المعنيون بالتساؤل والإجابة. وإن كانت هناك إجابة فستكون استنساخا لما هو مطبق قوانين في دول مثل السويد والنرويج وغيرهما من الدول التي يكاد المواطن فيها لا يعرف صورة رئيس الوزراء أو اسمه ليس جهلا أو عدم اهتمام بل لأن الأمور تسير بطريقة تلقائية مؤسسٌ لها على قواعد مضمونها يرضي الشعب الذي توضع القوانين من أجله لتنظيم حياته وإنصافه ليأخذ كل ذي حق حقه.
في بعض الدول يمكث بعض الوزراء بوزارتهم سنوات عديدة حتى يُعطوا الفرصة الزمانية الكافية لتنفيذ ومتابعة خططهم التي يكونوا قد وضعوها لخدمة مواطنيهم ولتؤتي أكُلها ويتحملوا مسئولية أخطائهم ومن ثم يؤتى بمن هم أفضل وأكثر كفاءة منهم لكي يقدموا الأفضل لوطنهم وهكذا. ونغبطهم على أنّ همّهم خدمة المواطن وعلى قناعتهم أن المواطن هو السبب في شغلهم لمناصبهم.
كلنا نطمح أن نكون كمواطني السويد ومثيلاتها, وما الذي يمنعنا من ذلك؟ والطموح سمة إيجابية يتمنى ويعمل الإنسان على تحقيقها والإنسان الطموح إنسان متفاعل ومنتج. ربما يقول قائل أنّ لنا ظروفنا وواقعنا ولهم ظروفهم وواقعهم ولا مجال للمقارنة ولنا إمكانياتنا ولهم إمكانياتهم وهذا طرح جميل من حقنا القول فلينسحب ذلك على كل الأحوال والظروف والأشخاص وألا نجتزأ حالات ننتقيها كي نبرر أفعالنا وبالتالي لن نقبل أن يقال لنا أن هناك دول ذات عراقة بممارسة الديمقراطية يُعامَل فيها المواطن بطريقة لا ترقى للطريقة التي يُعامَل فيها المواطن الأردني من قبل الدولة في ظروف متشابهة. ربما. إذا قبلنا الطرح الأول وجب علينا قبول الطرح الأخير وإذا كان العكس هو واقع الحال ذلك يعني أن الانتقائية والفردية والنفعية والمصلحية هي القوانين التي يتم بها الحكم على الأفراد والجماعات في مجتمعنا.
ألتساؤل, الذي يدور في المجالس والصالونات من الدرجة الثانية والثالثة بين الأردنيين, هو لمعرفة مبرر أن يُعطى الوزير تقاعدا مدى الحياة عن مدة خدمة لا تتجاوز السنة أو ربما شهورا معدودة في كثير من الأحيان لا تمكننا من تذكر اسمه. وغالبا ما تحَل الوزارة بسبب عدم نجاحها في برنامجها إن كان هناك برنامج ونيّة صادقة في تنفيذه. أليس هذا هو الواقع الذي وعيْناه ونعيشه ويتكرر أمامنا بمعدل عشرة شهور دون تصويب؟
فيبدو أن التقاعد لمثل هؤلاء القصد منه مكافأة الفاشلين والذين جنوا ما جنوه خلال وظيفتهم. فلماذا يكافأ الفاشل ولا نقول الفاسد؟
ألم يحن الوقت لمراجعة ذلك القانون الذي يعطيهم هذا الإمتياز وليس الحق دون غيرهم ؟ هل ياترى هذا القانون نفسه يعطي نفس الإمتياز لموظف بسيط أعفي من وظيفته بسبب فشله؟ أم يُطرد بحرمانه من مستحقاته مع السجن أحيانا؟ كلنا يعرف الإجابة المرّة. هل الوزير عندما يقع عليه الإختيار ليكون وزيرا سيقبل أن يَترك عمله ويصبح وزيرا لمدة سنة تقريبا دون حصوله على التقاعد الذي يعطيه إياه القانون الحالي؟
القانون وضعه بشر وهو ليس قرآنا لا يأتيه باطل بل في الواقع هناك من يختلفون بتفسير القرآن المنزل من الخالق. فما يمنع المشرّعين من مراجعة ذلك القانون البشري وتعديله والخروج بآلية تخفف من وطأة العدد الكبير من أصحب المعالي المتقاعدين وأعباء تقاعدهم التي يمكن أن تدفع رواتب لمئات الموظفين وتوظيف مئات من العاطلين؟
ونفس الطرح ينسحب على النواب والأعيان وكل الذين تندرج وظائفهم تحت نفس القانون. بالمقابل يقودنا ذلك للتساؤل التالي: لماذا لا يُطبق نفس القانون على رؤساء البلديات وأعضاءها؟ أم أنهم لا يرتقون لطبقة أصحاب المعالي؟
لا يجوز ولا يُقبل أن نُساس بقانون لا ينصف الجميع وكأنه قانون طبيعة لا يمكن عمل شئ حياله. نحن لا نريد استبدال الشتاء بالصيف أو الخريف بالربيع. ألدساتير تُعدل وتُبدل كي تتماشى مع ظروف الناس وتحسّن من أحوال عيشهم وتستجيب للواقع وتمهد للمستقبل الذي يرنون إليه.
بألتاكيد طرح كهذا لن يرضي طبقة المعالي وهم بالفعل صاروا يشكلوا طبقة لكثرة تغيير الحكومات. وهذا واقع مؤسف لابد من إعادة النظر به وتعديله والإتيان ببديل يتناسب مع إمكانيات الدولة ورغبات المواطنيين وإلا صدقت مقولة "معالي الشعب الاردني".
فلا ضيْر من دراسة هذا القانون ومحاولة مراجعته وتعديله لجسر الهوة المكلفة جدا بينهم وبين الآخرين. والقوانين البشرية تشرّع لكي تنظم حياة الناس والتنظيم صورة من صور العدل والإنصاف.
فلو اقترضنا جدلا أن تقاعد الوزير (2000) دينار أليس نصف ذلك كفيل بأن يُدفع بنسب متفاوته لتوظيف خمسة عاطلين عن العمل ولو افترضنا أن هؤلاء الخمسة كل واحد منهم يعيل خمسة أفراد، نكون بذلك قد ساهمنا في تحسين معيشة (25) أردني وهدّأنا من روعهم وكبحنا جزءا من ثورانهم وغليانهم واحتقانهم الذي يترجموه بالخروج إلى الشارع والخروج عن خطوط حمراء قد خف احمرارها هذه الأيام وحققنا بعضا من مطالبهم وخففنا جزئيا من صداع الحكومات المتصدّعة أساسا.
ألكثير ينادي بخفض النفقات وتقليل التنفيعات وتحديد السفرات ذات المخصصات العالية وبدل الفواتير والمصاريف التي تحسب على الدولة ومن جيوب الأردنيين البسطاء بأضعاف ما يتم صرفه في الحقيقة. لو تم اقتطاع نسبة ولو قليلة من هذه وتلك محسوبة بالزمن نكون ساهمنا بعدم زيادة العجز وساهمنا بدعم الموازنة التي يفترض أنها ترصد لتلبي احتياجات الوطن والمواطنين جميعا وليس لتلبية احتياجات فئة محدودة من "المواطنيين".
فما دمتم معشر الوزراء "ناذرين أنفسكم لخدمة الوطن" وهذا لسان حالكم يقول ذلك, فحتما "لن يضيركم" مراجعة القوانين التي تنصف الأردنيين وتسهم في دفع المسيرة الأردنية للأمام وللأفضل.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com