بايدن وأنقرة : المواجهة الأولى ... كردية بامتياز

 

حدث ما كان متوقعاً...ففي أبعد نقطة على المثلث الحدودي التركي - السوري – العراقي، تحتشد قوات أمریكیة إضافیة، وتُسیّر القیادة العسكریة الأمریكیة .دوریاتھا «المنفردة»، في رسالة لا تخفى مرامیھا على أحد: ضرب الأكراد في شمال سوریا، خط أحمر 

في توقیت الرسالة والمستھدفین بھا، نقول: إن أنقرة ھي عنوانھا الأول والأھم، بعد ارتفاع وتیرة تھدیدھا ووعیدھا باختراق الحدود السوریة مرة أخرى، وضرب من تعتبرھم عناصر إرھابیة، تتبع حزب العمال الكردستاني وتدین لزعیمھ السجین عبد الله أوجلان، بالولاء...أما العنوان الثاني، فھو دمشق، حیث تتسع شقة . ّ خلافاتھا مع القامشلي، ویتبادل الطرفان عملیات «تعرض خشن» أحدھما للآخر، وبطرق شتى

 لیس خافیاً على أحد، أن أكراد سوریا والمنطقة برمتھا، ربما تنفسوا الصعداء بمقدم بایدن، لیس لأن ترامب كان خصماً أو عقبة في طریق تطلعاتھم، بل لأن الساكن الجدید للبیت الأبیض، یبدي تاریخیاً تعاطفاً فائضاً مع الأكراد، في سوریا وغیرھا، بمن فیھم أكراد تركیا...فوز بایدن، وفّر لھم صدیقاً موثوقاً، أقلھ لسنوات أربع قادمة، سیسعون خلالھا إلى فرض حقائق كیانھم، وإدارتھم الذاتیة على الأرض، مطمئنین إلى سیاج أمني أمریكي، غیر ٍ معرض للانتھاك في المدى .المنظور

 یتزامن ذلك من تفكیر أمریكي جدید، یقضى بمراجعة الوجود العسكري في المنطقة، وربما بالضد مما ذھبت إلیھ إدارة ترامب التي قررت تقلیص عدد قواتھا في العراق إلى 2500 جندي وفي سوریا إلى 200 جندي، توطئة لسحبھم في أقرب الآجال...الإدارة الجدیدة، ترى أن معركتھا مع داعش لم تضع أوزارھا بعد، وأن .وجود أو سحب القوات الأمریكیة یجب أن یتم بالتنسیق مع «الحلفاء»، وھنا یشار حصراً إلى حكومة الكاظمي في بغداد و»قسد» شرق الفرات 

وإذا ما صحت التقاریر، بأن واشنطن بصدد نشر قوات وقواعد على سواحل البحر الأحمر وفي الخلیج العربي، فمعنى ذلك، أن نظریة ترامب عن الحاجة للخروج من حروب المنطقة اللا-منتھیة، لم تعد صالحة في عھد بایدن...یبدو أن ھذه الإدارة، وإن كانت غیر راغبة في دخول حرب جدیدة، وربما غیر قادرة .«علیھا، إلا أنھا لا تشاطر الإدارة السابقة مفھومھا للأمن القومي و»القیادة من الخلف» أو عبر «الوكلاء

 ھذه لیست أخباراً سارة لموسكو وطھران ودمشق، والمؤكد أنھا لیست خبراً ساراً لأنقرة كذلك...موسكو راھنت على استعادة الورقة الكردیة وإتمام مصالحة بین دمشق والقامشلي، ما أن تخرج القوات الأمریكیة من شمال سوریا...دمشق، التي تمنعت عن قبول «تسویة» مع أكرادھا، یبدو أنھا ستخوض غمار ھذه التسویة ولكن بشروط أصعب...أنقرة التي طالما نظرت للكرد كتھدید أمني، ّ وحولت حربھا علیھم إلى «مادة لاصقة» تحفظ العلاقة بین طرفي التحالف الحاكم: العدالة والتنمیة والحركة القومیة، یبدو أنھا ستكون في مواجھة مبكرة مع إدارة بایدن حول ھذا الملف...طھران التي وضعت الانسحاب العسكري الأمریكي من المنطقة، .ثمناً لرأس قاسم سلیماني، یبدو أنھا ستتفاجأ ببقاء ھذه القوات، وربما زیادة عدیدھا وعتادھا 

ھنا نفتح قوسین لنقول للأصدقاء الأكراد: لقد لُدغتم من الجحر الأمریكي أكثر من مرة، وفي غیر ساحة ومناسبة، وقد آن أوان استخلاص الدروس والعبر، ومن الأفضل لمستقبل الشعب الكردي، البحث في حل سیاسي شامل للأزمة السوریة، وعدم الانتشاء بواشنطن أو الاستقواء بھا على «الآخر» في الوطن والمواطنة...تلكم لعبة انتحاریة، فنحن أبناء منطقة، بقاء الحال فیھا من ُ المحال، والأیام ٌ «دول» بین لاعبیھا، ومن مصلحة «الأقلیات» ألا تشتط في رھاناتھا، حتى لا تجد نفسھا وقد خسرت كل شيء: ألیس ھذا درس الاستفتاء «الطازج» في شمال العراق؟