دلالات عمليات داعش الأخيرة
اخبار البلد ـ من المبكر اعتبار الهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش” الإرهابي في آخر معاقله "منطقة الباغوز” في بادية دير الزور السورية كما أعلن الفصيل الكردي السوري (قوات سورية الديمقراطية) الحليف الأساسي للولايات المتحدة الأميركية في سورية بتاريخ 23 آذار2019، النهاية الفعلية لأخطر تنظيم إرهابي واجهته المنطقة خلال العقود الأخيرة وإيذاناً بنهايته وأفول مشروعه؛ التنظيم الذي خسر جغرافياً لم يفقد قدرته على التمدد فكرياً وهو ميزته الأساسية التي مكنته من الانتشار.
آخر تقرير صدر عن مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة تتحدث عن أكثر من عشرة آلاف عنصر مقاتل ما يزالون يتحركون في العراق وسورية بعد عامين من اعلان هزيمة التنظيم في الباغوز وهذا رقم له دلالات خطيرة كما يقرؤها خبراء الإرهاب.
منذ إعلان هزيمة داعش في العراق في العام 2017 بهيكليتها لم تتوقف العمليات الفردية واستمرت للعام 2018 بوتيرة أقل وتمكنت القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي من تحجيم دور التنظيم على خلاف ما حصل في سورية التي وإن أعلن عن هزيمة التنظيم في آخر معاقله "الباغوز” في العام 2019 إلا أن التنظيم الذي سرعان ما اختفى عاد ليتحرك على امتداد آلاف الكيلومترات من البادية السورية التي تخلو من وجود عسكري سوري يغطي كامل الجغرافيا ليقوم بعمليات عسكرية تستهدف القوات الحكومية وحلفائها الروس والإيرانيين إضافة إلى قوات سورية الديمقراطية (القوات الكردية).
خلال الأسابيع الماضية حصلت تطورات في أهم مسرحين لنشاط التنظيم وهما العراق وسورية حيث شملت عمليات لاستهداف قوات الحكومة السورية والمسافرين على امتداد الطريق من حلب لدير الزور وعلى امتداد مناطق شرق الفرات وصولاً للحدود السورية العراقية والتفجيرات الانتحارية المزدوجة في قلب العاصمة العراقية (ساحة الطيران) وكذلك استهداف الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي.
العمليات الأخيرة تشير إلى أن التنظيم وجد فرصة ذهبية لعودة الانخراط العملياتي المباشر مستغلاً تعقيدات المشهد السياسي الداخلي العراقي وحرب الوكالة القائمة بين واشنطن وطهران وبنفس الوقت مراوحة التسوية السياسية في سورية التي يبدو أن شروط التفاهم الإقليمي والدولي بشأنها لم تنضج بعد لإنجازها.
لذلك لم يكن مفاجئاً أبداً عودة تنظيم داعش لزخم العمليات الأكثر دموية. سبق وأن نبه معظم المراقبين بما فيهم خبراء عسكريون من قادة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب إلى أن التنظيمات التي تستند إلى عقيدة تكفيرية متشددة كداعش تملك قدرة كبيرة على المرونة والتكيف والتأقلم وإعادة إنتاج نفسها سواء من خلال تغيير أساليب المواجهة والانتقال إلى تكتيكات سريعة يساعدها في ذلك انتشارها في مناطق غير مأهولة وقدرتها على التكيف مع البيئات والحواضن الاجتماعية في الباديتين العراقية السورية.
غياب التنظيم كان غياباً محدوداً ومؤقتاً انتقل فيها من مرحلة الحرب الكلاسيكية المباشرة والسيطرة على الأرض وإقامة كيانات ونقاط انطلاق وسيطرة إلى مرحلة العمل السري تحت الأرض خاصة في البيئات الاجتماعية الممتدة على مساحات شاسعة من الصحراء العراقية والسورية والتي اعتبرت ملاذاً آمناً له ومكنت أعضاءه من سهولة الاندماج في بيئاتهم القبلية والعشائرية التي وفرت لهم حصانة وحماية بينما التحقت أعداد كبيرة من الأجانب ببقية فصائل المعارضة الجهادية في إدلب التي لا تختلف عن داعش في المرجعية الأيديولوجية.
الحقيقة الثابتة في التعامل مع هذا التنظيم وهو ما أكدته العمليات الإرهابية أن انهياره وتراجع قدرته لا يعني انتهاء مخاطره لأن هذا مرتبط بانتهاء الأيديولوجيا التكفيرية التي يستند لها فهو بالأساس يعتمد عليها لا على قدرته العسكرية وهذا يستدعي اقصى درجات اليقظة فلا أحد في مأمن من عمليات التنظيم الذي وإن فقد بعضاً من حواضنه الإقليمية والدولية الا انه ما يزال حاضراً وقادراً على الاستهداف.