في البحث عن شرعية فلسطينية
اخبار البلد - ھذا ما حدث، ومن یده في الماء لیس مثل من یده في النار، والتناقضات ولدت تناقضات أخرى، والوضع بحاجة
ٌ إلى حدیث مطول، متأخر نوعاً ما، وسیكون متوتراً بالضرورة، ولكنھ العلاج ربما الوحید للخروج من مأزق
.الشرعیة القلقة للسلطة الفلسطینیة كأحد متطلبات الخروج من الاستغلاق الذي تشھده القضیة الفلسطینیة
تقوم الشرعیة في العالم العربي على مشروع ما، دیني أو قومي أو بناء تصورات لمخاطر محدقة واتخاذ وضعیة
المقاومة، المھم أن یمتلك الطرف الحاكم إجابة عن سبب بقائھ في السلطة، والدول العربیة ما زالت بشكل عام
تراوح حول شرعیة وجودیة لا شرعیة سیاسیة، فالدیمقراطیة شبھ غائبة، وتجارب ایقاظھا في لبنان وتونس تبدو
.غیر مشجعة حتى اللحظة
السلطة
الوطنیة ضحیة تناقضات ھائلة، فمنذ أن قدمت الاعتراف في أوسلو 1993 بما یسمى دولة اسرائیل، كانت
تتلقى ضربة عمیقة في وجودھا القائم على منظمة التحریر الفلسطینیة التي تأسست 1964 بما یعني أن تأسیسھا
كان مبنیاً على المطالبة بتحریر الأراضي الفلسطینیة المحتلة سنة 1948 ،أي إنھاء الوجود الإسرائیلي، ومجرد
الاعتراف بإسرائیل كان یتطلب خطاباً مختلفاً وموقعاً مغایراً، وھو ما لم یحدث، فالسلطة تعاني من مأزق كبیر،
یشبھ الذي یعانیھ الأعضاء العرب في الكنیست، إذ بینما یطلقون الانتقادات المدویة، یتناسون أنھم أقسموا في وقت
.سابق على الولاء لدولة إسرائیل
تتعمد إسرائیل إثارة ھذه التناقضات بین وقت وآخر، بصورة صریحة أو مبطنة، وما إن أعلن الرئیس الفلسطیني
محمود عباس توجھھ إلى انتخابات رئاسیة وتشریعیة للمرة الأولى منذ خمسة عشر عاماً حتى بدأت المناورات
الإسرائیلیة وآخرھا في مدینة الناصرة التي انتفضت للاحتجاج على زیارة رئیس الوزراء الإسرائیلي بنیامین
نتانیاھو لأحد مواقع التطعیم ضد وباء كورونا في المدینة، وھو المركز الذي یمثل جزءاً من عمل الحكومة
.الإسرائیلیة
تغیبت أسئلة الشرعیة عن الفلسطینیین لفترة طویلة، كانوا یعیشون محنتھم یوماً بیوم، وشوطاً بشوط، ویعتبرون
ھذه الأسئلة من الفتن التي یفضل أن تبقى نائمةً لأطول وقت ممكن، فلا أحد یتذكر الیوم أن یسأل لماذا شاركت
حماس أصلاً في انتخابات نیابیة تقوم على ترتیبات أوسلو إذا لم تكن تعترف بأوسلو، وكیف تستفید من نتائج أوسلو
.وترفض تحمل تبعاتھا
على الجانب الآخر، تعیش حركة فتح تناقضاتھا بصورة أخرى، فھي عملیاً وبحكم موقعھا من منظمة التحریر
تتخطى الوجود المكاني للسلطة، ومسؤولیتھا السیاسیة والأخلاقیة والأدبیة ھي أمام قرابة 12 ملیون فلسطیني،
یعیش أقل من 40 %منھم في الضفة الغربیة وغزة، ولا شك تثیر خطوات التسویة التي تتقاطع مع الجانب
الإسرائیلي أسئلة كثیرة وصعبة لدى بقیة الشعب الفلسطیني في الشتات، فالقرارات على الأرض شيء،
والقرارات
.التي تخص شعباً مشرداً شيء آخر
لا أحد یمتلك القدرة على الإجابة عن كثیر من الأسئلة حول الدولة الفلسطینیة المرتقبة، وحول الاندفاع للانتخابات
بعد إعلان فوز الرئیس جو بایدن وتراجع احتمالات صفقة القرن بالشكل الذي قدمھ ترمب وكوشنر، ولكن أیاً یكن
من أمر، یتوجب على الفلسطینیین بعد أكثر من مئة عام منذ صدور وعد بلفور أن ینظروا جدیاً في أسئلة الشرعیة
والمبادئ المؤسسة لكیانھم ودولتھم المأمولة، بدلاً من الحصول على شروط عادةً ما تكون مجحفة والتورط فیھا من
خلال فعل سیاسي عبثي، ومرھق للفلسطینیین أینما كانوا، وربما الانتخابات المقبلة ھي الفرصة الأخیرة لذلك لأنھا
.ستنتج واقعاً جدیدًا وشخصیات تحمل رؤیة وتجربة مختلفة