من وحي كلمات النواب

اخبار البلد ـ يمنح النواب الثقة أو يحجبونها على وقع تحليلٍ فرديٍ شخصي لبيان الحكومة، أوضح ما في كلماتهم ولاؤهم لقواعدهم الانتخابية، ووضع مطالب تلك القواعد أمام رئيس الوزراء، ولا أرى غرواً في ذلك، فإن مفهوم وممارسة قانون اللامركزية لم يصل أغلب النوابِ بعد، وهم على يقين أن إعادة انتخابهم مقرونةٌ برضى قواعدهم الانتخابية مطالبياً عنهم.
القواعد الانتخابية في أغلبها لا ترى في "النمرة الحمراء” للنائب سوى قدرته على "رفع تلفون على الوزير المعني” أو أخذ "الولد العاطل عن العمل” بيده والذهاب به للوزير المعني أو رئيس مجلس إدارة شركة مملوكة للحكومة أو أي هيئة عامة، والحقيقة أن السلطة التنفيذية توافقت على هذه الوظيفة للنائب وشجعتها وسمعنا ورأينا من يفتخر من المسؤولين بأنه عين في كادر الوظيفة العامة أبناء منطقته، وكذلك نشر بعض النواب الأعداد التي وظفوها في مؤسسات القطاع العام والوزارات معتبرين ذلك من إنجازاتهم الشخصية في الحياة النيابية.
تاريخياً الملام في ذلك الحكومات المتعاقبة، وقبول تبادل ثقة النواب على حساب القانون وسيادة القانون، وتمرير مطالب فردية والتنازل في سبيل ذلك عن تطبيق القانون والسياسات العامة للدولة، وهي سياسة مريعة تركت نتائجها على ارتفاع أرقام البطالة والدين العام، والأهم من ذلك أنها أشاعت مفهوم وضع القانون على الرف حتى وصلنا لمرحلةٍ كاد أغلب الناس يقبل أن الواسطة والمحسوبية في إدارة الدولة أهم من القانون، وأن الشخص الواصل أهم من امتلاك الحق القانوني، وسلطة المواطنة وسيادة القانون.
الأخطر الذي ترتب على قبول عقلية الواسطة أن الناس لا تشعر بأهمية الأحزاب السياسية، ولا ضرورة الديمقراطية، ولا أهمية حقوق المواطن السياسية ولا حرياته الشخصية، كل هذا يمكن استبداله بعلاقات شخصية مع الشخص المعني، فمثلا حقوقك كمواطن أمام المؤسسات الحكومية ليس بأهمية أن تعرف شخصاً في هذه المؤسسات معرفة شخصية أو يتم التوصية عليك عنده من واحد يمون عليه، فهذا يقوم مقام حقوق المواطنة وأكثر، وأنت بالواسطة في أغلب الأحيان تلقى معاملة أفضل بكثير من تلك التي تتلقاها بصفتك مواطن فقط، ومرة أخرى الذي يُطاح به في هذه المذبحة هو القانون وسيادة القانون، حتى صار الذي يُطبق عليه القانون يشعر بالظلم لأنه لا يرى السواسية أمام القانون، وصدرت معلقات تبرير الفساد من الفاسدين حيث يقول لك:” ليش أدفع ضريبة وأغلب الناس متهربة، وليش ألتزم بالقانون وأكثر الناس بتتجاوزه”.
وأخطرُ ما سبق أن الدولة صارت في أغلب الحالات تدار باجتهاد وزراء لا بسياسة عامة، ولا خطط خمسية أو سنوية ولا حتى شهرية، تشعر أن الحكومات المتعاقبة حكومات تسيير أعمال وإطفاء حرائق، خاصة أن أغلب الوزراء تصيبه خلال أيام من استلام عمله لوثة المعرفة والإفتاء في وزارة لم يعرف عنها شيئاً، وفي قطاع لا يعرف عنه شيئاً، ونزل عليه بالبراشوت، وهو متسلح بقاعدة أن من اجتهد وأخطأ له أجر، وأغلب الوقت يكتفي بهذا الأجر!
كل هذا وأكثر منه ناتجٌ عن تفريغ الحياة السياسية من محتواها حتى صار العقل السياسي الأردني عقلاً فردياً قائماً على ذهنية فردية منفردة تحكمها في بعض الأحيان "هواجس ذكريات أيديولوجية قومية أو يسارية عتيقة” أو توجهات ذات أبعاد لا تؤمن في حقيقتها لا بالدستور ولا بالدولة.
الظروف التي نعيشها فرصة لتغيير العقلية والسلوك، وعلى أبواب المئوية الثانية فرصة لإعادة ترسيخ قيم الدولة الأردنية كما جاءت بالدستور، قيم المواطنة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وإشاعة الطمأنينة بين الناس، وإحياء الحياة السياسية الحزبية، وصون حقوق الأردنيين وحرياتهم وتأهيلهم لتلك الحقوق والحريات بنظام تعليمي مدرسي وجامعي خلاق مبدع حر، وبغير هذا ستبقى الأمور "ملاطشة” جنابك!