إسرائيل أمام خيارات ورهانات فاشلة

أخبار البلد-

 

راهنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على إدارة ترامب لتوجيه ضربة عسكرية موجعة للبرنامج النووي الإيراني لكن تلك الرهانات فشلت بعد أحداث الأربعاء الأسود واقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس الأمريكي وتعالي الأصوات التي تطالب بمحاكمة ترامب وعزله وبات الأجواء أكثر أريحيه لإيران ، حيث شرعت في رفع تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20 % مما شكلت الخطوة لدى مؤسسات التقدير والقرار في تل أبيب بـ» المقلقة» . فهو وضعهم أمام مسار متواصل من الواضح أنه سيتحول إلى مأزق حقيقي. فلا إسرائيل قادرة على التسليم بمآلاته، ولا تملك خيارات فعلية لإحداث تغيير جذري في هذا المسار، كما فشلت رهاناتها على إستراتيجية إدارة دونالد ترامب في إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية أو إخضاعه، وتواجه أيضاً قرار الإدارة الجديدة العودة إلى الاتفاق النووي.

وترتقي المخاوف الإسرائيلية من أن استمرار اندفاعة إيران في هذا المسار سوف تعزّز موقعها في أي مفاوضات مستقبلية مفترضة. هذا المستجد دفع إلى طرح علامات استفهام كبرى حول جدوى السياسة التي اتبعتها إسرائيل وإدارة ترامب في المواجهة على أكثر من صعيد، ومن موقع المقارنة بين ما كانت عليه إيران بداية ولاية ترامب، وما عليه الآن في القدرات العسكرية والصاروخية والنووية.

هناك مخاوف إسرائيلية وشكوك جدية إزاء نيات إيرانية لإنتاج أسلحة نووية، لكنها حريصة على أن تُركِّز على هذا الاتهام في خطابها الرسمي والإعلامي من باب التحريض المدروس والهادف، وهو ما كرّره بنيامين نتنياهو بعد الخطوة الإيرانية الأخيرة: « هذا خرق سافر ومطلق، والتفسير الوحيد لذلك هو اعتزامها إنتاج الأسلحة النووية» . مع ذلك، لديهم مخاوف جدية من تقليص المسافة الفاصلة عن إنتاج الأسلحة، حتى لو كانت إيران لن تنتجها، وهذا من أهم أوراق الضغط التي تملكها ايران في مواجهة الضغوط الأميركية وتناغم الدول الأوروبية معها. ولهذه المسألة جوانب أخرى علمية واقتصادية تتخوف إسرائيل من تداعياتها، ومن هنا القضية النووية قائمة بذاتها وجدية من منظور الأمن القومي الإسرائيلي، وهي أيضاً شعار تتلطى خلفه للتحريض دولياً وإقليمياً.

كان لرفع مستوى التخصيب إلى 20 %، في مسار متدرّج ومدروس رداً على العقوبات، وقعه المدوي في الساحة الإسرائيلية؛ فهي خطوة تنطوي على أبعاد استراتيجية تُلخص جدوى السياسات السابقة ضد إيران، وتكشف عن رسائل تتصل بالظروف الدولية والإقليمية، وتؤشر على مآلات تتصل مباشرة بالأمن القومي الإسرائيلي. فقد بدَّدت هذه الخطوة الرهان الإسرائيلي ــ الأميركي على ردع إيران عن تجاوز بعض المحذورات ، على أمل إبقائها مقيدة ببنود الاتفاق في الوقت الذي يشنّ عليها الطرف المقابل هجمات اقتصادية هي الأخطر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. في هذا الإطار، دعا وزير الخارجية الإسرائيلي، غابي أشكنازي، المجتمع الدولي إلى رفض التسليم بما سمّاه « التحدي الإيراني» ، والنظر إلى « الخطوات التي أقدمت عليها في رفع التخصيب كخط أحمر يستوجب رداً حازماً وفورياً» .

أمام هذه التحديات، تجد إسرائيل نفسها ملزمة بدراسة خياراتها انطلاقاً من الوقائع المستجدة ومعادلات القوة الجديدة، وهو ما كشفه المعلق العسكري في القناة الـ13، ألون بن ديفيد، إذ لفت إلى « سجال عميق في إسرائيل، وفي القيادة الأمنية، هل يسيرون كما ساروا ضد أوباما أم إلى جانب بايدن ومحاولة تحقيق اتفاق معدل؟» . مع ذلك، الأكثر دقة هو إجمال الصورة المتشكلة لدى مؤسسة القرار، وهي أن استراتيجية إسرائيل في ظل إدارة أوباما تُوِّجت بالاتفاق النووي (2015) الذي انتزع من الدول العظمى إقراراً بتحوّل إيران إلى دولة نووية، لكنه لم يؤد إلى رفع العقوبات عنها. ثم راهنت تل أبيب على سياسة ترامب التي تسبّبت في أزمة اقتصادية غير مسبوقة في الجمهورية، لكنها لم تُخضعها ولم تردعها، وجسَّد ذلك فشل الإستراتيجية التي روَّج لها نتنياهو بأن الجهة الوحيدة القادرة على ردع إيران هي الولايات المتحدة، وهو ما تبدّد في ولاية ترامب