الرجل الذي فقد عقله .. والمرأة الحديدية
اخبار البلد - إعترف أم لم يعترف.. لم يعد الأمر يهمَ أحداً.. بل العكس الجميع يريد التخلص منه والتملص من قربه. الحلفاء قبل الأعداء فقد بات عبئاً بعد أن كان عوناً.. قبل أيام قريبة كانت الترامبية ملهمة لكثيرين في الداخل الأمريكي والخارج، بينما اليوم هي وصمة عار وسمة للخارجين عن القانون . من كان يتصور أن تكون هكذا نهاية ترامب .. على رقع طبول الفضائح وحبس أنفاس العالم اعتلى سدة الحكم في البيت الأبيض (محاكمة واحدة وأربعة الاف دعوى قضائية، وستة وعشرين تهمة تتعلق بالسلوك الجنسي)، وبيأس وخزي وحبس أنفاس أيضاً سيغادر.. ولن يتذكره أحد إلا كالرئيس الذي فقد عقله وشحذ همم مجموعة من الرعاع العنصريين لتحطيم رمز الديمقراطية العتيقة..
أمور كثيرة جديرة بالملاحظة والاهتمام بعد غوغاء الاربعاء الامريكية:
أولها أنه على الرغم مما حدث فإنني اختلف مع كثيرين من أن الديمقراطية الامريكية في خطر، وإنما مازالت تتمتع بصحة وعافية. صحيح أن الأزمة لم تنته بعد، لكن سلوك ترامب الأخير قلب الموازين وأوقعه في شر أعماله وأظهر الشوفينية والعرقية ومدى الدمار والتهديد لأمريكا الذي يمكن أن يأتي به من هو على شاكلته. والعقاب الذي ينتظره من قبل المؤسسات العميقة وأبرزها الكونجرس سيصبح درساً لا يمكن نسيانه لكل السياسيين . كما أن استمرار عمل الكونجرس بعد الأحداث بشكله الاعتيادي بشأن التصديق على عملية انتخاب جو بايدن، وحملة الاستقالات الجماعية لموظفي إدارته والشجب والاستنكار بالجملة من قبل حزبه ورفض نائبه مايك بنس عدم الرضوخ لمطلب رئيسه برفض نتيجة الانتخابات يثبت أن الديمقراطية ما تزال راسخة في الولايات المتحدة وليست هشة كما وصفها البعض .
أما ثانيها: " نانسي بيلوسي" المرأة الحديدية زعيمة الديمقراطيين ورئيس مجلس النواب في الكونجرس، عدوة ترامب اللّدودة طوال سنين حكمه وستبقى كذلك بعدها، والمستهدفة بتغريداته والملقبة من طرفه بالمجنونة. مهندسة عملية محاكمة عزله الأولى في مجلس الشيوخ بتهمة اساءة استخدام النفوذ وعرقلة عمل الكونجرس يناير 2020 ، وقائدة حملة الانتقادات الموجهة له دوماً، وسارقة الكاميرات منه فمن لا يتذكرها حين مزقت خطابه أمامه وأمام العالم في الرابع من فبراير 2020 . وهي من أعلنت أنها تريد سحبه من شعره وإلقائه خارج البيت الابيض . بيلوسي اليوم تقود حملة لا هوادة فيها تسعى من خلالها لممارسة أقصى مراحل الضغط السياسي على ترامب وتلطيخ إرثه بالسواد والعار. وبفضلها يتم نسج شبكة من العزلة حوله وإظهاره كمجنون فعلي فاقد الأهلية / سواء استقال أم لا/ خاصة بعد إعلانها التحدث مع رئيس الاركان وحثه على منع ترامب من شن هجمات عدائية او الأمر بضربة نووية!
لن تمل بيلوسي من مطالبة "مايك بنس" نائب الرئيس بتفعيل التعديل ال25 وتحديداً المادة الرابعة في هذا التعديل التي تنص على أن لنائب الرئيس والوزراء الحق في إقرار أن الرئيس لم يعد قادراً على القيام بمهامه. ورغم علمها بصعوبة عزل الرئيس لمحدودية الفترة المتبقية ولعوائق وإجراءات تنظيمية تتطلب وقتا طويلا ولعدم رغبة بنس أصلا في الدخول بهذا المسار، إلا أنها تزيد الضغط يوما بعد يوم لشل حركة ترامب تماماً.
أثبتت بيلوسي أنها بالفعل أقوى إمرأة في السياسة الأمريكية ليس فقط بحكم منصبها وإنما برفضها الرضوخ لبلطجة الرئيس واستحقاقها بجدارة لقب "أكثر إمرأة يكرهها ترامب" ..
وثالث هذه الأمور: أن ترامب الفاقد للأهلية بشهادة معظم السياسيين الأمريكان لم يسء إلى أيّ في العالم مثلما أساء الى الفلسطينيين، وبناء عليه فإنني أتساءل إن كان بالإمكان استغلال هذه الشهادات لرفع قضايا دولية ضده بشأن عدم أحقيته وأهليته في اتخاذ قرارات ضد الحق الفلسطيني وإبطال جميع هباته لنتنياهو.
في المجمل ، ترامب ما هو الا النموذج الأمريكي للحاكم المستبد على مدار التاريخ، الانتخابات عنده مسرحية لا يمكن تقبل الخسارة فيها ، حيث يلوم الجميع على الفشل ما عدا نفسه .