لماذا السجون في العالم؟!
اخبر البلد - لعل من أسوأ ما يقع للمواطن في حياته الزج به في السجن مهما تكن الأسباب وهو ما تدعوه المناضلة الأفريقية الأميركية انجيلا ديڤز إهداراً لكرامة الإنسان إذ يغدو منذ اللحظة الأولى وراء القضبان مجرد رقم بلا قيمة! وقد اشتدت أخيراً في أميركا ودول أخرى حملات الاعتراض الغاضب على عقوبة السجن من حيث المبدأ منكرةً صدق الشعار الخادع (الإصلاح والتهذيب) الذي يجري الترويج له منذ القرن الماضي، وقد تميزت مظاهرات العام الماضي في مدن الولايات المتحدة بالمطالبة بإلغاء السجون بعد أن كشفت الدراسات مدى التفرقة العنصرية فيها، وأضافت عليها المطالبة بشطب تمويل أجهزة الشرطة بسبب تزايد عنفهم المعروف ضد السود وكلنا نتذكر جريمة خنق شرطي أبيض للمواطن الأسود جورج فلويد بالضغط على عنقه حتى فارق الحياة.
ينبغي هنا التذكير بأن خصخصة السجون قد فضحت العلاقة بين رأس المال وعقوبة السجن اللاإنسانية التي يتوسع في مبررات تطبيقها دهاقنة القانون من خُدّام نظام اقتصاد السوق ويرافقهم أعضاء المجالس التشريعية المنتمون لطبقة بذاتها بهدف تسمين دخل السجون بزيادة عدد نزلائها كالفنادق حتى لو تم ذلك بتهم لو تم تحرّي الكثير منها موضوعياً لاتضح انها تافهة لا تستحق العقوبة أصلاً، فمثلاً أثبتت الدراسات الأوروبية أن التعاطي المقنن للمخدرات البسيطة كعلاج مسكن للألم أو مهدئ للنفس يمكن ان يغني عن المبالغة في حبس المتعاطين الذين بلغ عددهم في السجون الأميركية بعد الخصخصة أربعة أضعاف زملائهم من اصحاب المخالفات أو الجرائم الأخرى!
لا يمكن في هذا الصدد إغفال شريحة كبيرة من الأميركيين المشردين بلا مأوى (الهومليس) بسبب طردهم من بيوتهم حسب القوانين المجحفة التي تحكم العلاقة بين المالكين والمستأجرين، ما يؤدي للزج بكثير منهم في السجون وبعضهم يختارونها كمأوى بديل مجاني ولا املك ضمناً في هذا السياق إلا أن اذكر بأن هذه القوانين عندنا بدأت منذُ مدة تتوجه لتقليد ذلك وأفخر بأنني دأبت على معارضتها بشدة دون جدوى..! كما لا يمكن إغفال الظلم الفادح في قوانين التوقيف الإداري التي نعرفها جيداً في بلادنا، وإذا ما عدنا قليلاً للسجون السياسية التي يقبع خلف قضبانها أعداد كبيرة من معتقلي الرأي لأفزعنا الخرق الصارخ لحقوق الإنسان حيث يخضع أكثرهم للتعذيب ولمدد طويلة لا يتحملها الا القادرون على الصمود..!
وبعد.. هناك من يعتقد أن الحديث عن إلغاء السجون وتعديل اوضاعها جذريا مجرد ترف فكري أو اضغاث أحلام مع أن ديمقراطيات أوروبية عديدة تحترم حقوق المواطن قد بدأت ذلك عملياً، أما تجربة السجن بلا أغلال ولا مفاتيح في البرازيل فخطوةٌ صغيرة شجاعة تستحق الإعجاب والمتابعة