نداء آخر السنة

اخبار البلد-

 
نُعيد القولَ في آخر السنة، الحضارة نهضت من تحتِ رمادِ الأوبئةِ والمصائبِ العامة، والحوادثِ الجسام. بقدرِ ما هي كمدٌ عام يصيبُ الناس، فإنها فرصةٌ للنهوضِ والتغييرِ، كورونا كشفت عن قُدراتٍ مهمةٍ عِندنا على الصمودِ والتحدي، وأيضاً كورونا كشفت عن عوراتِ بنيتنا التحتية في كثيرٍ من المواضعِ، وأكثر من تأثر منا بذلك هم رقيقو الحالِ.
اليوم نعرف أن العدالة في المجتمع ستظل وهماً دون تكافؤ الفرص في التعليم والصحة والمواصلات، يجب أن يتوفر للأردنيين الفرصة نفسها في التعليم، بتوفير ما أسميه الحد الآمن من التعليم؛ والحدُ الآمن للتعليم هو التعليم الذي يمنح جميع الأردنيين الكفاءات اللازمة للحياة، تلك الكفاءات التي تؤهلهم لتحكيم العقل وتبني قيم الحرية والمواطنة والحضارة، تُعينُهم على فهمِ وعيش وممارسة التنوع وقبوله، تعليمٌ يعطيهم الكفاءات اللازمة لسوق العمل والعيش الكريم، لا يجوز أن يكونَ تعليمُ الأكثرية بدرجة اقل من التعليم الآمن يتركهم دون تأهيل نفسي وعاطفي وعلمي هذا يجب أن ينتهي أمس، ويجب أن تبدأ ثورة بيضاء في التعليم وأن تبدأ منذ الأمس.
ومثلها في الصحة، أكثر مشاكل القطاع الصحي إدارية، ترهلٌ في إدارة الموارد، وعجزٌ عن تطبيق الخطط السنوية، يجب أن نضمن للأردنيين جميعاً حداً معقولاً آمناً من الصحة والخدمات الصحية، وهي موجودة لكنها غير فاعلة ولا عامة وتختلف من مكان لآخر، البعدُ عن العاصمة لا يجوز أن يكون سبباً لتراجع هذه الخدمات، نعرف حجم الضغط وتأثير كورونا على القطاع الصحي، ولكن الفرصة ملائمة لإحداث تغيير نوعي في إدارة الخدمات الصحية، وضمان حد خدمة صحية محترمة لجميع الأردنيين في كل نواحي الوطن.
على صعيد المواصلات فإن خطة سكةِ حديدٍ تربط الشمال بالوسط بالجنوب، تعد في تصوري مصلحةً وطنية وأمنية عليا، لأن ذلك سيسهم في توزيع الفرص والوظائف والموارد ويخلط الناس ببعضهم، وتصبح سهولة الوصول والتواصل فرصةً للشباب لصنع الثروة وعدم التراخي على أعتاب وظيفةٍ عامةٍ بائسةٍ، سوف يسهل لاجتماع الشباب من كل نواحي الوطن بما يوفره ذلك من فرصة للتأثير والتأثر في كل مناحي الحياة، فإن الميزة الأساسية لجيل الشباب هو توقه للمعرفة والتواصل والتأثير والتأثر، والمواصلات العامة الفاعلة وعلى رأسها سكة حديد من الشمال للجنوب أرضية مهمة لهذا الأمر.
أيضاً القطاع الخاص يجب أن يتوجه لإحياء قطاع الزراعة والصناعة الخفيفة والسياحة، ويجب أن يُقبلَ الناسُ مقابل المطالبة بخدمات محترمة، على المشاركة بدفع الضرائب ضمن نظام ضرائبٍ واضحٍ وعادلٍ، الخزينة الأردنية حتى مع حجم التهرب الكبير تتأتى في معظمها من جيوب الأردنيين، وليس كما هو شائع من المساعدات الخارجية، ولهذا فإن الحرصَ على دفعِ الضرائب من المكلفين بها هي مساهمةٌ في رفعة الوطن واستقراره؛ فإن خزينة الدولة جيوب رعاياها.
كورونا أحدثت في تصوري حالة كآبة عامة مجتمعية وخاصة شخصية للأفراد، ولا علاج للكآبة سوى الحياة نفسها، ووضع أهدافٍ كبيرةٍ ومشاريع طموحة، بلاد الشام وفي عهد الخلفاء الراشدين عاشت وباءً عاماً قاتلاً عرف بطاعون عمواس، عاشته دون مستشفيات، ولا مطعوم فايزر، ولا حتى المطعوم الصيني، وتجاوزوا هذا الوباء وحكموا نصف العالم، وقدَموا معظم البنية التحتية للعلم والحضارة الإنسانية، هذه شدة وتزول، ويبقى بعدها من يعمل ويفكر بجد وفاعلية وسرعة لازمة لمواجهة الموقف، ولكنَ كل هذا يحتاج إلى ثورة أخرى في طريقة التفكير، طريقةٌ تقوم على خلق الحلول وليس فقط توصيف العلل، هذه الثورة تحتاجها الحكومات قبل الأفراد، ولكن الطرفين مطالبون بذلك، وببدء هذه الثورات البيضاء، يجب أن لا نكتفي بانتظار السنة الجديدة للعمل والتغيير، بل نبدأ السنة الجديدة بالعمل والتغيير النوعي، كورونا فرصة بقدر ما هو تحد، والسنة الجديدة ليست أمنيات بل عمل بشفافية حكومة عالية، ومشاركة للمواطن بالمعلومة والخطة والهدف، الحكومات ما تزال غير فاعلة، وأحسب أنها لا تؤمن فعلاً بمشاركة المواطن بقدر ما تتحدث عن تلك المشاركة، ولا تطور برنامجا حكوميا مفصليا تفصيليا عميقا في الاقتصاد والتعليم والصحة والمواصلات، ودون توفير سبل المشاركة للمواطن من خلال الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني على أرضية نظام تعليمي عصري متطور، هذا نداءٌ للعام الجديد وأتمنى أن تكون فاهما عليَّ جنابك!!؟.