ألا یوحي ھذا العنوان بأن في الكتاب ما یوجب منعھ؟ مع أن العكس ھو الصحیح اي أن فحواه لا تستحق المنع
وكان من الحكمة فعلاً أن تباح قراءتھ.. ثم لماذا المنع اصلاً؟ الا یكفي اننا عشنا فترةطویلة من الزمن كابدنا فیھا
ُ أنواعا مختلفة من الرقابة الكریھة على المطبوعات فمن ناحیتي عرفت عناء التھرب منھا منذ كنت طالباً في
الجامعة ونحن نطبع مجلة رابطة الطلبة الأردنیین في مصر حیث كنا نذھب إلى المطبعة عند الفجر بعد أن یكون
ُنھك بعمل لیل طویل من التدقیق في كل كلمة وسطر كي یعثر على ما یبرر إلغاء
الرقیب (العسكري یومھا) قد أ
مقالات كاملة أو ترك مساحات فارغة فیھا دون أدنى اھتمام بما یخلفھ ذلك من آثار سیئة على الكاتب والصحیفة
والقارئ و على سمعة بلده ایضاً إذ یعطي الفرصة لأعدائھا السیاسیین كي یتھموھا بأنھا تفتقر للدیمقراطیة وحریة
!الرأي أما الرقیب نفسھ فلا یھمھ إلا تنفیذ الأوامر وإشباع رغبة التسلط لدیھ باستعمال مقصھ
ُ
عندنا في الأردن اختلف الأمر منذ سنوات فقط إذ عِدّل القانون وتحولت الرقابة على الكتاب تحدیداً إلى ما بعد
النشر وھي خطوة إلى الأمام تتیح للكاتب المدرك للحدود المتاحة أن ینجو بمؤلَّفھ اللھم إلا إذا تنطح أحد(أو دُفع
.. للتنطح) معترضاً على أي من مواده فعندئذ یبدأ مسلسل القمع ومماحكات التقاضي في المحاكم
نعود للكتاب الذي أشرت إلیھ في العنوان فقددھشت حقاً كیف مر حتى الآن على المتربصین بھ الجاھزین لاتھامھ
بالطعن في الروایة الرسمیة للتاریخ السیاسي أو تشویھ صورة المجتمع الأردني أو تعكیر صفو العلاقة بین
ّ مكوناتھ، لكنھ بالمقابل شكل لي مفاجأةً تبشر بأن تغیّراً إیجابیاً قد بدأ بقبول الرأي الآخر والنقد الموضوعي ورؤیة
الحقائق كما یراھا الكاتب لاسیما وھو یستقیھا من مراجع رصینة متاحة في مكتباتنا لا في الأجنبیة فحسب حیث
شبھة العمالة تحوم فوق الرؤوس فضلاً عن انھ یثبّتھا على الھوامش بدقة وأمانة، ما یعني سقفاً أعلى لحریة التعبیر
ُ عند الكتّاب ودلیلاً على ثقة أكبر بالنفس لدى المسؤول واحتراماً مستحقاً لعقل القارئ الأردني طالما افتقده وناضل
.من أجلھ
ّ
ألا لا یتوھمن أحد أن ھذا الحدیث الموجز عن الرقابة وھي جزء لا یتجزأ من الاعتداء على مبادئ حقوق الإنسان،
ٍ ھو ابتعاد متعمد عن موضوع العنوان فذلك ما لا أقصده إذ أن ھذا الكتاب یتضمن معلومات وآراء عن تاریخ
الأردن وتأسیسھ جدیرة باطلاع المواطنین علیھا رغم أنھا ما زالت موضع جدل كما یحتوي على مواقف سیاسیة
واجتماعیة یمكن الحكم علیھا من منظور الحاضر لا الماضي ومن ثم الاستنتاج بانھا كانت وطنیة مخلصة ام نابعة
!من مصالح ذاتیة أو فئویة او جھویة
الضابط
َ وبعد.. فإن الرقابة على الفكر من الناحیة العملیة وإن اختلفت من عصر لعصر، تظل الدیمقراطیة الحكمَ
..للنزاھة في تطبیقھا