حبس الصحفيين.. مرحلة يجب تخطيها


اخبار البلد - رغم قراءتي لما كتبه الزميل جمال حداد أكثر من مرة، إلا أنني فشلت في أن أجد سببا مقنعا واحدا، يبرر قرار مدعي عام محكمة أمن الدولة بتوقيف الزميل. حتى أن ما كتب لا يستوجب، بحسب ظني، أن يتجشم أي أحد عناء رفع دعوى لدى أي جهة قضائية!
حداد طرح تساؤلات عديدة حول مطعوم كورونا، وعن تلقي بعض المسؤولين للمطعوم رغم عدم الإعلان رسميا عن وصول المطعوم. هذا كل ما فعله الصحفي في كتابته التي كان من الممكن أن تمر من دون أن يتوقف أحد عندها، لولا قرار التوقيف الذي فتح الأعين عليها، لينخرط زملاؤه في العديد من الأنشطة، ومن بينها عاصفة إلكترونية، للمطالبة بإطلاق سراحه.
قضية حداد يمكن أن تشكل لنا أنموذجا واضحا حول تعامل الحكومة مع الإعلام، والنظرة إليه وإلى حجمه وتأثيره، بالإضافة إلى النظرة إلى الجسم الإعلامي ككل. المسألة فيها تعد واضح على الكيان الإعلامي بأكمله، وإلى ما يمثله، خصوصا حين يتم الزج بالصحفي إلى السجن لمجرد أنه طرح تساؤلات، وهي مهمة ملقاة على عاتق الإعلامي بالدرجة الأولى، من أجل أن يسأل عن الغامض أو المتواري أو المسكوت عنه.
وفيها أيضا استهتار حكومي كبير بالجسم الإعلامي الذي لا ترى له أي أهمية، وما مقولات "السلطة الرابعة” إلا مجرد "اسم دلع” تحب أن تستخدمه بين الفترة والأخرى، ولكن من دون أن ترى له مرادفا حقيقيا على أرض الواقع.
قبل أيام، كتبت هنا عن "مهنة بلا بوصلة”، وقد أشّرت بوضوح إلى سقف الحرية المنخفض الذي تعمل فيه الصحافة. تعزيز الحريات ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أبواب موصدة في وجه مهنة التنوير، والأداء الإعلامي اليوم محكوم بـ”سيناريو” معد مسبقا، ولا يجوز الخروج عنه بسطر، حتى لو كان ذلك الخروج سطرا باهتا في الهامش، تماما كما كانت أسئلة الزميل حداد عن مطعوم كورونا ومن تلقاه!
في التقارير الدولية الدورية التي ترصد الحريات على اختلافها، نراقب بحزن كيف أن تصنيف الأردن يهبط فيها بتسارع، وكيف أنها لا تصنفه على أنه بلد حر. واحد من أكبر المؤشرات لهذا التصنيف هو حرية عمل الإعلام، ومدى القدرة على ممارسته الرقابة على عمل مؤسسات الدولة والمال العام. لكن، كيف سنمارس هذه الرقابة إن كنا ممنوعين عن طرح تساؤلات بسيطة حول المطعوم!
توقيف الزميل حداد بكل هذه البساطة والسهولة فعل يمثل ضغطا على سقف حرية الإعلام، وتأكيد على أنه ينبغي له العمل في الممكنات، وهو أيضا تحذير شديد اللهجة من مغبة الخروج عن السياق.
كما قلت في مقالي السابق، فإن بيئة العمل الإعلامي واشتراطاته تحتاج إلى مراجعة حقيقية من الجهات الناظمة والمنخرطة، وصولا إلى تشريعات تحمي العاملين في القطاع، وتوفر لهم سندا قانونيا يتيح لهم ممارسة دورهم في التنوير والكشف والرقابة من دون أي خوف من الوقوع في براثن الرقابة الكفيلة بإنهاء مسيرتهم المهنية.
وإلى حين تحقيق ذلك، سيظل توقيف الإعلاميين علامة فارقة في مسيرتنا الإعلامية، وسنبقى كل فترة نقيم عاصفة إلكترونية تطالب بإخلاء سبيل زميل ما.. وتنعى الحريات لدينا!!