ناصيف عواد (أبو يعرب): قائد يعربي عز نظيره
اخبار البلد-
طعم "الأحد 22 كانون الأول/ دیسمبر 2019 " ُ سیظل مراّ في فمي، إذ فیھ رحل أخي وصدیقي الغالي ناصیف
عواد (أبو یعرب). وبناء على وصیتھ، ووري جثمانھ الثرى في مسقط رأسھ في قریتھ الفلسطینیة الأثیرة لدیھ
.ولدى كثیرین
ولد القائد الوطني القومي العربي (أبو یعرب) مع نھایة عام 1934 في قریة (عین عریك) من أعمال محافظة رام
الله في الضفة الغربیة. وفیھا تنسم روح العروبة منذ نعومة أظفاره، كیف لا، وھي القریة المناضلة التي امتزجت
فیھا محبة السید المسیح بروح الإسلام، وحیث غابت -تاریخیا-الطائفیة السقیمة وحلت مكانھا مضامین العروبة في
.فلسطین التي لا درب لھا سوى طریق الوحدة العربیة
حمل صدیقي الأثیر (ناصیف) شھادة الماجستیر في الأدب العربي من الجامعة الأمریكیة في بیروت، وترأس
تحریر أكثر من صحیفة، وظل یكتب ویبث مواقفھ السیاسیة والفكریة فیھا حتى وفاتھ. كما كان "أبو یعرب" عضوا
نشطا في الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والصحفیین الفلسطینیین، وعضو ھیئة تحریر إحدى مطبوعاتھ
.(الكاتب الفلسطیني) في الفترة الأولى الحاسمة من ظھور تلك المجلة
تفتحت عینا المناضل الراحل الذي وصفھ البعض –وعن حق- بأنھ "زیتونة فلسطینیة في رحاب نخلة عراقیة
قومیة" تفتحت باكرا على جرح الأمة في فلسطین؛ إذ كان اغتصابھا اغتصابا لكرامة العروبة، وعدوانا سافرا على
إنسانیتھا. وطوال مسیرتھ، أثبت (أبو یعرب) أنھ مثقف عضوي، بحیث كان موقفھ دوما انعكاسا لفكره، تتوحد عنده
الفكرة المبدئیة مع الموقف الملتزم، مثلما كان مجاھدا أبدیا من أجل أن تصبح فلسطین البوصلة لیس للشعب العربي
.الفلسطیني فحسب، ولیس للأمة العربیة فقط، بل وللعالم الرحب أیضا
لقد عرفت (ناصیف) عن كثب في الجامعة الأمریكیة في بیروت معظم ستینیات القرن الماضي (في المكان الجمیل
وفي الزمن الجمیل) وخضنا معا غمار العمل الوطني، وفي تلك المرحلة، لطالما جمعتنا "قوة الأمل" بالغد المشرق
العزیز وبالأمة العربیة الموحدة. یومھا، أدركت كم كان –حقا-متمسكا بالمبادئ لكن بدون تشنج. وفي علاقاتھ مع
أصحاب المبادئ الأخرى، سواء كانت مواقفھم شبیھة بما یؤمن بھ أو مختلفة؛ وجدتھ دوما رصینا حتى أقصى
الدرجات، ومھذبا على أرفع مستوى. وكم شن حربا على أولئك الذین كانوا یوجھون الاتھامات والتخوینات للطرف
.المقابل
وفي السبعینیات، التقینا مرارا في بغداد حیث كان لھ نفوذ الموقع ونفوذ الأخلاق ونفوذ اللسان النظیف والید
النظیفة. وھو قد وضع كل طاقات ومحركات نفوذه في خدمة قضایا الوحدة العربیة والعدالة الاجتماعیة وحبیبة قلبھ
الأولى: فلسطین. ثم في التسعینیات، وبعدھا في العاصمة الأردنیة، نمت علاقاتنا الشخصیة المتینة فوصلت ذروة
.جدیدة، تحت وطأة "قوة الألم" مما آلت إلیھ الأوضاع في معظم بقاع الوطن العربي الكبیر
لقد كان المناضل (أبو یعرب) فارساً من فرسان الحركة القومیة العربیة المعاصرة الذین تجنبوا الاستعراضیة في
العمل، والمزایدة في المواقف، والفوقیة في العلاقات، والسطحیة في المعالجات، فبقي لھ الموقع الاستثنائي سواء
في قلوب رفاقھ وأصدقائھ وعارفیھ أو في عقولھم وضمائرھم. ولا غرابة في ذلك، ففكره إنساني تقدمي، وسلوكھ
كذلك، ولھ طاقة ھائلة على الاستماع قبل أن یحاكم موقفا أو شخصا، الأمر الذي جعلھ نموذجا للحكم المتنور
.والعادل
برحیل القائد (أبا یعرب) خسرت الأمة العربیة أحد قادتھا وھو الذي وھب حیاتھ في سبیل رفعتھا ووحدتھا. تلك
ّ الوحدة التي شكلت حلمھ الأكبر مع كل إخوانھ العروبیین. وبھذا الرحیل، یكون الستار قد أسدل على فارس من
فرسان ھذه الأمة، الذین بعثوا الأمل فیھا، وتمسكوا بثوابتھا القومیة، وأرادوا لھا مكانة متمیزة بین الأمم. وحتى
اللحظات الأخیرة من حیاتھ، لطالما "فاجأني" (نصیف) في لقاءاتنا المستمرة، بتفاؤلھ التاریخي على قدرة ھذه
الأمة على النھوض من كبوتھا، مؤمنا بحتمیة وحدتھا، منتصرا لقضایاھا وبخاصة قضیة فلسطین، منحازا إلى
.الضعفاء في مواجھة الأقویاء
ناصیف عواد (أبو یعرب): قائد یعربي عز نظیره - صحیفة الرأي 2020/26/12
2/2 كتاب/ناصیف-عواد-(أبو-یعرب)-قائد-یعربي-عز-نظیره/10569019/article/com.alrai
رحیلك-یا أبا یعرب-أخذ ما أخذه من روح حیاتي مثلما أخذ بعضا مما تبقى من أسباب استمرارھا... الإحساس ذاتھ
غمرني یوم رحیل عدید رفاق الدرب الوطني، ولا أقول الحزبي أو الفصائلي، رفاق المسیرة القومیة المتنورة
.والتنویریة بغض النظر عن انتماءاتھم الحزبیة
.ألا بوركت یوم كنت بیننا، وبعد رحیلك عنا