تعافي الأمم المتحدة بالاستقلالية وإلغاء الفيتو

اخبار البلد-

 
ليس سراً أنَّ منظمة الأمم المتحدة أصبحت عاجزة وبمثابة جزر معزولة تدور في حلقة مفرغة، بدليل أن من تعاملوا معها أكدوا اهتزاز الثقة بها منذ زمن ليس بالقريب. كلما زاد إخفاق المؤسسة الأممية لا تلبث أن ترتفع الأصوات، ومع كل محاولة فاشلة في معالجة القضايا في مجلس الأمن تتجدد المناداة بضرورة التغيير لمنظمة تجاوز عمرها السبعين عاماً. الإصلاح مطلب قديم - جديد منذ وخلال وبعد نهاية الحرب الباردة، ومع ذلك لعبت الأمم المتحدة خلال تلك الفترة دوراً بارزاً في قضيتين عالميتين آنذاك، وهما: إنهاء الاستعمار وقضية التنمية، إلا أن الأزمة في آلية عملها لا تزال مستمرة؛ ولذا الظروف والأحداث ودقة المرحلة التي يمر بها العالم أعطت زخماً واهتماماً للدعوات المنادية بإصلاح جذري يمس الجوهر والمضمون.
أنطونيو غوتيريش، الأمين العام، شغل منصب رئيس وزراء البرتغال من قبل، ثم ترأس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ عام 2005، وقد أصبح اليوم كما قال الرئيس البرتغالي «صوتاً محترماً يستمع إليه العالم». خبرته وشخصيته وتجربته تسعفه بطبيعة الحال في عمله، ومع ذلك ليس بمقدوره إيجاد حلول لقضايا ومشاكل العالم؛ لأن المؤسسة الأممية ما هي إلا محصلة إرادة دول.
وللإنصاف، الأمين العام للأمم المتحدة هو موظف في نهاية المطاف وليس مطلوباً منه ما يفوق إمكاناته وصلاحياته، وبالتالي ليس باستطاعته تغيير اتجاه البوصلة؛ كونه لا يملك من الأدوات ما يجعله أن يضغط على الدول الكبار المؤثرة، ولكن بإمكانه تقديم المبادرات والمقترحات وتهيئة المناخ والأجواء للحوار والمفاوضات وترتيب الأولويات والتركيز على القضايا الأهم التي يعاني منها العالم، كالفقر وحقوق الإنسان واللاجئين.
الجميع كان يأمل من الأمم المتحدة أن تُعيد المؤسسة الأممية إلى سابق عهدها عندما كانت تعبّر عن مواقفها بجلاء ومصداقية واستقلالية، فتقف مع الحق ولا ترضخ للإملاءات. إخفاقاتها متوالية، خصوصاً في الملفات الساخنة كأزمة كوريا الشمالية، وبرنامج إيران النووي، وخلافات الهند مع باكستان، والصين مع تايوان، مروراً بفلسطين والسودان وأزمات أميركا الجنوبية، وانتهاءً بسوريا واليمن وليبيا.
 
كان عليها أن تأخذ الانتقادات على محمل الجدية، وتدفع بنقاشها باتجاه معالجتها انطلاقاً من إعادة هيكلة التركيبة الإدارية والتنظيمية لأجهزة المنظمة، وأبرز مثال على ذلك نظام الفيتو الذي يتعارض مع نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة، الذي ينص صراحة على «مبدأ المساواة بين الأعضاء»، ناهيك عن تعطيل بعض القرارات الصادرة عن مجلس الأمن.
نعلم أن دور الأمين العام هنا يتمثل بإيجاد توازن بين الأجهزة، فما هو ملموس اليوم تعاظم دور مجلس الأمن على حساب دور الجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية. المنظمة العتيقة تعاني أيضاً مجموعة من معوقات مالية وتنظيمية وإدارية جعلتها غير قادرة على ملاحقة المتغيرات التي يعيشها النظام الدولي؛ بسبب تضخم جهازها الإداري وقلة مواردها المالية، وعدم فاعلية أجهزتها المترهلة.
جدوى نظام الأمن الجماعي بسبب فاعلية الأمم المتحدة باتت مرهونة بإرادة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين ما فتئوا يستخدمونها كأداة صراع، بدليل ما شاهدناه في سوريا من مجازر وتدمير تحت نظر وتدبير دولة عضو في مجلس الأمن؛ ما يعني أن القواعد المرجعية التي يستند إليها مجلس الأمن والتي تحكم آلياته تفتقر إلى الوضوح، فأصبحت تخضع لتفسيرات متباينة وفق مصلحة كل دولة.
أجواء الملاسنات والاتهامات والمماحكات ما بين موسكو وواشنطن تؤثر بلا شك على التعاون الدولي، ودخول الصين على الخط يؤزم المشهد؛ ما يدفع باتجاه وضع مأساوي يهدد بتقويض الدول والفوضى وانفراط عقد النظام الدولي.
جاءت أحداث اليمن وما يحدث في سوريا ومهزلة ليبيا لتكشف بجلاء عن الخلل والتخبط والارتجالية التي تعانيها الأمم المتحدة، رغم صدور القرارات الواضحة واتساقها مع المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي، إلا أن تعاطي المنظمة مع أزمات المنطقة، وخصوصاً من خلال مبعوثيها يستدعي إعادة نظر في آلية عملها.
لا يلوح في الأفق تفاؤل بأي تغيير، لا سيما بعد هيمنة أميركية خلال العقود الأربعة الماضية، عندما كانت لها اليد الطولى للسياسة الواقعية وبشعارها فرض إرادة القوي على الضعيف. ومع ذلك، هناك بوادر على محاولة إعادة بوصلة التوازن في فرض السياسات والعلاقات الدولية، وإن كانت لم تنضج بعد. الظرف والأحداث ودقة المرحلة التي يمرُّ بها العالم تعطي زخماً لافتاً يجب أن يتم توظيفه وفق تفاهمات وترتيبات ما بين الدول الكبرى تصبُّ باتجاه إعادة صياغة المنظومة الدولية وإصلاحها وإعادة هيبتها وإيقاف حالة الوهن في جسدها، وقد ينجح في أداء المهمة.
ليس مطلوباً من الأمين العام أن يضغط على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لحل كل الأزمات؛ فليس لديه عصا سحرية، ولكن بإمكانه أن يُنقذ سمعتها على نحو يتناغم مع معطيات الواقع العالمي الجديد، وعلى قاعدة الحياد والمهنية والمصداقية وعدم الرضوخ للضغوط والابتزاز.