النصرة السورية من البوابة الأردنية

‏ من المستبعد جدا الوصول إلى أي قرار عربي أو دولي من شأنه المساهمة ‏بنصرة الشعب السوري والذي تعمل الآلة العسكرية بقيادة وريث البعثية البائدة التي ‏وجدت من اجل حمايته على قتلة، بدون الاعتبار بموقف أردني حاسم لمجريات ‏الأمور في سوريا، فالتاريخ يعيد نفسه، فعندما شاء الله ان تتمكن الجيوش الإسلامية ‏من فتح بلاد الشام وتخليصها من الحكم البيزنطي حيث كانت سوريا تشكل مركز ‏الإمبراطورية الرومانية الشرقية، كانت طريق هذه الجيوش من ارض الحشد ‏والرباط ففي معركة اليرموك الخالدة وما تبعها من فتح لبيت المقدس الأسير، الذي ‏أنهى الوجود الروماني في المنطقة.‏
‏ واليوم بعد شبه الإجماع العربي على تجميد عضوية سوريا في جميع أنشطة ‏جامعة الدول العربية، وطلب سحب السفراء العرب، ودعوة جميع أطراف ‏المعارضة السورية لاجتماع في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، للاتفاق على رؤية ‏موحدة الأمر الذي يحمل معنى ضمني بالاعتراف بالمجلس الانتقالي السوري عربيا، ‏وقرار توفير الحماية للمدنيين السوريين من خلال المنظمات العربية، والمنظمات ‏الدولية المعنية بحقوق الإنسان بما فيها الأمم المتحدة إذا اقتضى الأمر، تعالت ‏الأصوات في الأردن من قبل جماعة الإخوان المسلمون وفئات شعبية كثيرة، ‏بضرورة نصرة الشعب السوري من قبل الحكومة وضرورة الاستجابة لمطالب ‏الجامعة العربية وسحب السفير الأردني من سوريا، الأمر الذي يعد من وجهة نظر ‏الحكومة الأردنية أمر انتحاري، وقرار سيترك آثار كارثية على الرعايا الأردنيين ‏في سوريا، وعلى المصالح التجارية الأردنية المشتركة مع سوريا كونها بوابة ‏الأردن للتجارة البرية مع تركيا و أوروبا وشمال غرب أسيا.‏
‏ فالسياسة الأردنية اليوم تربط قراراتها بالتدخل بالأزمة السورية ونصرة الشعب ‏السوري باعتبارات مستهدفة، مثل الدعم السياسي العربي والعالمي الذي ستتلقاه حال ‏التدخل بالشأن السوري، والذي يجب ان يشمل مصالح إستراتيجية مثل الانضمام ‏الكامل لمجلس التعاون الخليجي، ودعم مادي يغطي أية تكاليف تترتب على هذا ‏التدخل، ويشمل أيضا تغطية تكاليف الفرصة الضائعة التي ستنتج عن معاداة نظام ‏الأسد، والتي ستُفقد نتيجة تعطل خطوط التجارة عبر الأراضي السورية، أو نزوح ‏لاجئين تجاه الأردن، أو التعرض لهجمات انتقامية سواء كانت عسكرية أو مخابراتية ‏تخريبية داخل الأراضي الأردنية جراء التدخل بالأزمة السورية.‏
‏ كما ان هناك اعتبارات تتعلق بالوضع الداخلي الأردني تفرض وجودها وأثرها ‏على القرار السياسي الأردني في حال التدخل بالأزمة السورية، فالساحة الأردنية ‏يتواجد بها رموز سياسية وإعلامية ومتنفذين تربطهم صلات وعلاقات بنظام الأسد، ‏وهذه الجماعات ستشكل قوة ضغط على القرار السياسي الأردني شاء أم أبى، ‏فتجاهل إمكانيات هذه الجماعات يعني فتح منافذ احتجاجية جديدة على السياسة ‏الداخلية الأردنية، التي تشهد حراكات احتجاجية منذ عدة أشهر وتعجز الحكومة عن ‏احتوائها.‏
‏ فالموقف الأردني من الأزمة السورية معقد ومتشعب، ورغم السيادة الأردنية ‏على مثل هذا القرار، إلا ان السياسة الأردنية التي لا تعيش في معزل عن السياسة ‏العالمية، ستضطر إلى ان تتماشي مع السياسة العالمية، التي بات مؤكدا أنها عازمة ‏على تنحية الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم السوري بالقوة، ان لم يرضخ ‏للتهديد المباشر والعلني الموجه له، وباتت أيضا تمارس الضغوط على السياسة ‏الأردنية للبدء بالتحرك والتدخل بالأزمة السورية، فالنصرة العربية والعالمية لسورية ‏لن تكون إلا من البوابة الأردنية.‏

kayedrkibat@gmail.com