دردشة عن كارثة تحدق بثقافة النقد الفني بالأردن!
أخبار البلد-
كثيرون يستغربون سبب اندفاعي ككاتب نحو ثقافة النقد السينمائي و الدرامي في مصر و لبنان، و كثيرون يستغربون مدى الإهتمام الكبير الذي اوليه ككاتب لهذه الثقافة بالتحديد ضمن آلآف المواضيع التي يمكن ان اكتب عنها، فسيتوضح هذا الأمر لأي شخص قد يطالع صفحتي على الفيس بوك و يحاول اكتشاف مكنوناتها...فالحمدلله لا فضائح كما مع ربما نحبة من الشخصيات العامة ليترك لي البعض تعليقاته الساخرة التي توقع العديدين بفخ الرد عليها، و لا اعرض صوري و انا ارتدي آخر صيحات الموضه كما يفعل بعض الفنانين او صور لأهل بيتي لكي اتلقى سيل من التعليقات من مرضى النفوس التي تستهزء بالشكل او ذوق اللباس...جعلت النقد الفني و السينمائي موضع تركيز صفحتي ليفهم المطلع عليها انها صفحة ثقافة عامة للسينما و الدراما...او صفحة نقد ربما انتهى مفهومه من بلادنا الأردنية بسبب فراغ الدراما القاتل الذي يسيطر عليها...
منذ تقريبا ثلاثة سنين كنت جالس في منزل اصدقاء لي بليلة ساهرة احتفالا بمناسبة اجتماعية لأصدقاء لنا، و كان المدعوون يملئون صالة المنزل بجو سيطر عليه الود و الفرح و دندنة عود خفيفة كانت ترتفع من حين لآخر بالأجواء، فكان صاحبه يقوم بالدوزان اللازم لأوتاره، و كانت بعض الضحكات النسائية ترتفع من حين لآخر من ثنائي كانا يتحدثان بأمر يتعلق بالموضه، هذا ما استطعت فهمه من بعض الأحاديث التي كانت تُسْمَعْ فالتعليقات كانت ساخنة و ناقدة عن الموديلات المختفلة بالأسواق العالمية، و كانت احاديث العائلات تملئ الصالة فعدد المدعوين كان كبيرا، و فجأة مع اصوات طقطقت مكعبات الثلج و مضيفنا يسكب بعضا من الويسكي لأحد الضيوف اقترب مني احد معارفنا و هو ممسك بكوب من عصير البرتقال، فكان هذا الشاب من هواة العصائر و المشروبات الأقل حدة من المشاريب الكحولية، جلس معي و سلم علي بحرارة، فلم نجتمع مع بعضا منذ فترة طويلة، كان اصغر مني بالسن فآخر مرة شاهدنا بعض فيها كان في التوجيهي، فحتى تفاجئة انه كان من المدعوين، و بعد حديث ودي اتسم بآخر المستجدات التي طرئت على اوضاعنا، اقترب مني مضيفنا و سألني " ماذا تشرب يا فراس"
اجبته بعضا من عصير البرتقال،"
كان مضيفنا رجل قصير القامة بدين ذو كرش يعلن للناظر اليه بأنه من هواة المناسف و المؤكلات الدسمة و الشهية، و كان ذو بشرة حنطية اصلع الرأس و عينان عسليتان و وجه بشوش ضاحك لا يعرف العبوس اطلاقا، فأجبني...
"لا...يجب ان تشرب شيئا للمناسبة السعيدة، فهذا عيد زواجي انا و زوجتي العشرون، ربما سأجلب لك بعضا من الويسكي...او هل الفودكا تناسبك اكثر،"
قلت له "ارجوك اعفيني من هذه المشاريب الثقيلة، فصدقا لست من هواتها اطلاقا، عصير البرتقال جيد بالنسبة الي،"
ابتسم لي موافقا و انسحب ليجلب لي طلبي، نظرت الى رفيقي الذي قال لي "لم تتغير يا صديقي،"
اجبت بترحاب "الا المشاريب الكحولية فلن اتذوقها اطلاقا، انها تفقد الإنسان ميزانه و صوابه و تجعله يرتكب الحماقات بسهولة ليصبح اضحوكة للناس، و قد يؤذي الإنسان نفسه لأنه فاقد لوعيه...."
"حسن تفعل يا صديقي...و ماذا به عصير البرتقال...، انه منعش و به قيم غذائية اكبر،"
اجبت "الا تعلم بأن الكحول كان يستخدم في القرون الوسطى كمخدر قبل الإجراءات الطبية، لأنه بعد فترة من الشرب يتخدر الإنسان بالكامل، كانوا يطلبوا من المريض شرب كمية كبيرة منه قبل العمليات و لتفادي الآلآم بعد الإصابات بالحرب،"
"سترنا الله منه، قل لي بالمنسابة قبل ان انسى، ماذا تفعل بهذه الأيام؟"
"انا ناقد فني..."
نظر الي و كأنه يسمع بأمرغريب غير مفهوم و اجاب "ما هو النقد الفني؟"
تلقيت صدمة عمري، لم اكن اتوقع بأنه سيسألني هذا السؤال الساذج، شاب بمنتصف العشرينيات من العمر استاذ موسيقى بمدرسة في عمان و يعزف على آلة موسيقية و مربي اجيال... لا يعرف ما هو النقد الفني؟؟؟؟ كثقافة عامة لم تمر هذه المادة عليه؟ ما هذا؟ لم اشعره بما مررت به من لحظات صادمة و انا احلل ما قاله لي لبرهة من الوقت، و ابتدأت اشرح له عن مهنتي ككاتب و ناقد فني، فانا برصيدي عددا كبير من مقالات النقد الفني و السينمائي و التحليل الدرامي لأعمال مصرية كثيرة، و في رصيدي ايضا الروايات الطويلة و القصيرة باللغتين العربية و الإنجليزية تم نشرها مع عدد من المواقع الإلكترونية، فكانت الكتابة و النقد مهنتي و امر احب ممارسته كثيرا،
تخللت الأمسية فقرات غنائية لمغني مدعو من قِبَلْ صاحب السهرة، كان صوته جميل جدا و رقص الجميع على انغام عوده الساحر فكان شاطر جدا بما قدمه، و قضينا امسية جميلة جدا تناولنا بها المأكولات الطيبة ايضا ببوفيه خمس نجوم، و ذهبت الى المنزل و انا بقمة السعادة فحتى لفيف المدعوين كانوا من معارفنا و تواصلت مع عدد كبير منهم، و لكن كان هنالك امر يضايقني من الداخل...فهل دق سؤال هذا الشاب ناقوس الخطر لخطورة انعدام ثقافة صناعة السينما و الدراما بالأردن، ما ننتجه بعام لا يعادل واحد بالمئة من ما تنتجة دول آخرى ففي مصر و لبنان تعد هذه الصناعات من الصناعات القومية الكبرى و تشعر الدولة بضرورة المحافظة عليها، و لكن نحن فقدنا هذه الصناعة منذ ازمة الخليج المؤسفة في عام 1990 حين توترت العلاقات حينها مع دول عدة بالمنطقة العربية و شهدت المملكة ازمة تسويق للمنتوج الدرامي...و منذ ذلك الحين شعرت بأن هذه الصناعة باتت غير مدعومة من المشتثمرين....و لم تقوم اية جهة حكومية بمتابعة امكانيات تحريكها من جديد لأسباب كثيرة...فهل سنستسلم لإنعدام هذه الصناعة و لما صلنا اليه من انعدامها بصورة مطلقة من بلادنا فحتى المواد المرافقة بها لم تعد مفهومة بمجتماعاتنا..."ما هو النقد الفني؟" لثلاثة سنين لم تغب عن بالي هذه الجملة حيث انحدرت من جفاف كبير يشعر به مجتمعنا فالتجربة الشخصية بإنتاج الدراما و السينما المحلية مغيبة تماما عن المشهد الثقافي...انها غصة حزن كبيرة في ذاتي، الى متى يا وطن و انت بلا حركة درامية؟ بلد فيه نسمة الأدرن يستطيع ان ينتج العشرات من المسلسلات و عددا كبير من الأفلام...و لكن اذا سعينا لفتح اسواق لها...اذا هيئنا قوانين الملكية الفكرية اللازمة...و اذا اخذنا اول خطوة بإنتاج و بيع ما ننتجه...