الحكومة الإسرائيلية القادمة ستكون حكومة الضم والتصعيد العسكري


اخبار البلد - تقترب إسرائيل من التوجه إلى جولةٍ جديدةٍ من الانتخابات البرلمانية العامة، لتكون الجولة الانتخابية الرابعة التي تجري في البلاد في أقل من سنتين، إذ توشك حكومة الوحدة بين حزبي الليكود بزعامة نتنياهو و"أزرق أبيض" بزعامة بني غانتس على نهاية عهدها بعد مرور ستة أشهر على تكوينها نتيجةً لفشل الحزبين في إقرار موازنة الدولة.

وإذا لم يتفق الحزبان على صيغة للموازنة العامة يقرها الكنيست حتى يوم غد الموافق 22/ 12 /2020، سيحل الكنيست نفسه تلقائياً، وتتوجه الدولة إلى جولة جديدة من الانتخابات في شهر آذار المقبل.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الجولة من الانتخابات إذا جرت ستكون مختلفة عما سبقها من جولات، لا سيما أنها ستجري في ظل تغيرات في البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية (الدولية والإقليمية والمحلية)، الأمر الذي ستكون له يقيناً تداعياته على نتائج الانتخابات وطبيعة الحكومة القادمة وسلوكها، خاصةً فيما يخص سياستها الخارجية، إذ ستفقد أحزاب اليسار ويسار الوسط قدرتها على التأثير في تحديد السياسة الخارجية، مقابل زيادة قدرة قوى اليمين ويمين الوسط، خاصة تلك التي تقف على يمين نتنياهو داخل البرلمان من حيث أرض إسرائيل الكاملة والمواجهة العسكرية مع حركة حماس وحزب الله وإيران.

فعلى الصعيد الدولي، ستُجرى الانتخابات في ظل تداعيات فقدان رئيس الوزراء نتنياهو الحليف والشريك الأقوى له في البيت الأبيض الذي تبنى رؤيته كاملةً لحسم الصراع في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، وحلول المرشح الديمقراطي بايدن مكانه محمولاً على خطابٍ يتناقض البتة مع رؤية سلفه ترامب من حيث مكانة الولايات المتحدة ودورها في النظام العالمي، وانعكاسات هذا الدور على سياستها الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالقانون الدولي وقيم الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان، الأمر الذي سيعيد الالتزام الأمريكي بالشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، والتأكيد على عدم شرعية الاستيطان في مناطق الدولة الفلسطينية الموعودة، ما سيجعل خطة الرئيس ترامب المعروفة بصفقة القرن في مهب الريح.

أما على الصعيد الإقليمي، فستُجرَى الانتخابات في ظل ثلاثة متغيرات، سيكون لها آثاررها على السياسة الخارجية الإسرائيلية، يتعلق الأول بانفتاح إسرائيل على النظام العربي الرسمي من خلال ما بات يُعرف باتفاق أبراهام الذي أسفر عن تطبيع إسرائيل علاقاتها الرسمية مع أربع دول عربية حتى الآن (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)، ويدور الثاني حول عودة أمريكا للاتفاق النووي مع إيران الذي توصلت اليه مجموعة 5+1 مع طهران العام 2015 وانسحبت منه إدارة ترامب العام 2018، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل تهديداً لها، ويتعلق الثالث بإعلان إدارة الرئيس بايدن العودة للمبادئ والأُسس التي قامت عليها عملية تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي كان الرئيس ترامب قد ألغاها، ووضع بدلاً منها أُسساً ومبادئ جديدة متناقضة معها.

وعلى الصعيد المحلي، ستُجرى الانتخابات في ظل بداية حملة التطعيم ضد فيرس كورونا، الأمر الذي سيسمح للدولة بالبدء في تخفيف القيود التي أوجدتها الجائحة على حركة الناس والبضائع ومباشرة تنفيذ خطط وبرامج التعافي الاقتصادي، وذلك في ظل توقعات عالمية أن لا تزيد نسبة الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام الجاري عن 4-5% وذلك بعد احتساب مساهمة الصين في هذا النمو، حيث ساهم الاقتصاد الصيني وحده بثلث معدل النمو هذا، وفي ظل أن لا يصل معدل دخل الفرد (GDP) على المستوى العالمي حتى العام ٢٠٢٠ إلى ما كان عليه قبل انتشار الوباء، لا سيما في كلٍّ من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، ما ستكون له آثار سياسية واقتصادية سلبية على إسرائيل لاعتمادها سياسياً واقتصادياً على هذه الدول، خاصةً أنّ عدد العاطلين عن العمل في السوق الإسرائيلي بسبب كورونا قد تجاوز مليون شخص، أي ما نسبته ٢٣٪، فيما بلغت النسبة ٣.٩٪ قبل الجائحة.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الساحة الحزبية الإسرائيلية تشهد مزيداً من الانقسامات والتغيرات التي كان أبرزها إعلان جدعون ساعر، المنافس الأبرز لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو داخل حزب الليكود، يوم الثلاثاء الموافق ٨/ ٣/ ٢٠٢٠ استقالته من الكنيست وانفصاله عن الحزب وتشكيل حزب جديد أطلق عليه رسمياً اسم (أمل جديد.. وحدة إسرائيل).

وكان ساعر الذي يُعدّ أحد أُمراء الليكود أعلن فور انشقاقه عن الليكود وتشكيله الحزب الجديد أنّ الانتماء للحزب ليس سجناً، في إشارةٍ منه إلى قوة انتمائه تاريخياً لليكود، إذا جرت المقارنة بين البقاء في الحزب ومصلحة الدولة، حيث يرى ساعر أن الليكود في ظل قيادة نتنياهو ليس كما كان في ظل قيادة مناحيم بيغن وإسحاق شامير، حيث أصبح الليكود في عهد نتنياهو مُسَخّراً لخدمة شخصٍ فقط وليس لخدمة الدولة، وعلى ضوء ذلك أعلن ساعر أنه لن يعمل في حكومة يرأسها نتنياهو، بل على العكس من ذلك سيسعى لتغيير سلطته.

في الواقع يُحسب ساعر على التيار الديني في إسرائيل، ولكن من دون ارتداء (الكباه)؛ غطاء الرأس الصغير، كما يُعدّ من صقور اليمين الأكثر يمينيةً من نتنياهو، ويوصف من الشخصيات الإعلامية في إسرائيل بالأجرأ والأكثر شجاعةً من قيادات الصف الأول في الحزب الذين اصطفوا إلى جانب نتنياهو على حساب الدولة ومؤسساتها، خاصة القانونية منها، ولذلك فهو لا يخفي معارضته لبقاء نتنياهو زعيماً لحزب الليكود ورئيساً للوزراء لأسباب أخلاقية، لا سيما بعد توجيه ثلاثة لوائح اتهام له بالفساد من النيابة العامة، ولأسبابٍ أُخرى سياسية تجد تعبيراتها في فشله في تأمين غالبيةٍ برلمانيةٍ تُمكّنه من تشكيل الحكومة بعد ثلاث جولات انتخابية عامة في أقل من سنة.

والأهم أن ساعر لا يخفي إيمانه بأرض إسرائيل الكاملة، وكان قد عارض اتفاق الخليل العام 1996، واتفاق واي ريفر العام 1998، اللذين وافق عليهما نتنياهو في حينه، كما عارض خطة شارون لانسحاب إسرائيل أُحادي الجانب من غزة العام 2005، كما أنه لا يُخفي معارضته الأيدلوجية لتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، كما رفض خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان العام 2009 الذي أعلن فيه للمرة الأولى قبوله فكرة حل الدولتين، وعارض كذلك مقايضة تنفيذ ضم مناطق من الضفة الغربية بالتطبيع مع الإمارات.

وقد أعلن بعد تسجيله الحزب رسمياً أن من بين الأهداف المعلنة للحزب ترسيخ هوية إسرائيل كدولة يهودية للشعب اليهودي، والحفاظ على الديمقراطية، وتعزيز نظام التعليم، وتقوية المحيطين الاجتماعي والجغرافي للدولة، والحفاظ على نظام السوق الحر، وضمان توفير فرص عادلة للجميع، والالتزام بالضمانات المتبادلة والإصلاح في جميع السلطات، والحكم بالقانون والنظام، وتشجيع الإستيطان والزراعة في الجليل والنقب والمستوطنات في الضفة الغربية والجولان ووادي الأردن.

وعلى الرغم من عدم فوزه بالانتخابات الداخلية لتحديد رئيس الحزب التي جرت بتاريخ ٢٧/ ١٢/ ٢٠١٩، حيث فاز نتنياهو عليه بواقع ٧٢.٥٪ مقابل ٢٧.٥٪، فإنه بمجرد انشقاقه عن الليكود وإعلانه تشكيل وتسجيل الحزب الجديد كشف مدى انزياح المجتمع اليهودي في إسرائيل نحو اليمين مقارنةً بما كان عليه في آذار الماضي، فضلاً عن إحداثه خلخلة ملموسة في الخارطة الحزبية الإسرائيلية.

وفي هذا الشأن، تُظهر استطلاعات الرأي التي نُفذت خلال الأيام العشرة الأخيرة في إسرائيل أنّ قوى اليمين في إسرائيل التي تتكون من أحزاب (الليكود، ويمينا، وإسرائيل بيتنا، وشاس، ويهودت هتوراه) ستحتل في الانتخابات المقبلة ما نسبته ٦٩٪ من مقاعد البرلمان (الكنيست)، فيما بلغت في الانتخابات الماضية ٥٤٪.

وتُظهر نتائج الاستطلاعات كذلك أن حزب ساعر الجديد سيحتل المرتبة الثانية من حيث عدد مقاعده في البرلمان بعد حزب الليكود، إذ سيكسب مقاعده على حساب أحزاب اليمين ممثلة بالليكود ويمينا وإسرائيل بيتنا وأحزاب يسار الوسط ممثلاً بحزبي "يش عتيد" (هناك مستقبل) و"أزرق أبيض"، الأمر الذي سيُشعل المنافسة بين أحزاب اليمين، ويجعل من التشدد، كالضم والمواجهة العسكرية، سواء ضد حركة حماس في غزة أو ضد حزب الله وإيران وسوريا في الشمال، الموضوع الحاسم في كسب الانتخابات.