موسم العدس و «صوبة الكاز»!

أخبار البلد-

 

تحتار أيها تتذكر، صوبة الكاز، العدس كوجبة غداء لا شوربة ما قبل الغداء، وجبة كاملة الدسم والدفء و..ضيق الحال.أم تتذكر ماء الحنفية صباحا يصيب وجهك بالخدر والخذلان . البابور اغلى ما تملك في الشتاء، نمرة 2 لك ونمرة 3 لميسوري الحال.أم تتذكر وحل الطريق الى المدرسة تغطس فيه قدماك فيصعد حتى ركبتيك كتراشق لون في لوحة سريالية .كانت فعلا سريالية الحياة، لكنها كانت حقاً...حياة.

كيف وصلت من ذاك البيت العتيق الى قصور لندن الانجلوساكسونية ووقفت حيث كان يقف شكسبير ينجب روميو وجولييت وهاملت و..شايلوك الذي احتل احفاده ارضك وبحرك و..أقصاك؟ اي طريق سلكت من ذاك الطريق الموحل الى بلد جان جاك روسو وموليير و ديغول؟ واي قطار اقلًك الى ضفاف السين وزرقة الراين، وغيرك من اترابك الى ضفاف الفولغا وبلد دوستويفسكي وحمزاتوف وحديد البلاشفة وارستقراطية القياصرة؟

يااااه ما اصغر القرية والمخيم والمدينة التي ظلت تحت شمس الغياب!

لكن الانسان هو الكل .وكل ما على الارض للانسان. بيده ان يبني وبيده ان يهدم. السواعد بمن يحملها والعقل جوهر الانسان.

كان لابد من أن تتعلم وأن لا تتلعثم قدماك في وحل, و شوك أو مطبات حياة . جزمة عصفوركو ذات الطبعة الصفراء بدينار ونصف الدينار، حذاء من البالة بعشرين قرشا ونخب اول بنصف دينار .الكبود الذي اصبح اسمه الحديث البالطو، موجود من السنة الماضية. اصبح ضيقا على اخيك الاكبر فقدرك ان ترثه .لا يهم القدمان ما دام الرأس بخير . لفحة تلفها عليه تغطي اذنيك، طاقية صوف تغطي رأسك و توابعه ولا يظهر منها الا عيناك وانفك لتتنفس .المهم ان الهواء كان نقيا خاليا من الفساد .

هل قلنا الفساد؟ بلى انه مرض المرحلة العربية . من اقصى مدينة على الأطلسي الى اصغر قرية على الخليج العربي. ابتعد عشرة كيلومترات عن وسط اية عاصمة تجد فرقا يزيد عن عشرين سنة وربما اكثر . هنا في العواصم ، مولات و مطاعم فاست فود وشوارع مسفلته وسيارات فخمة وناس يرتدون الماركات ومن لا يستطيع فالبركة بمحلات التصفية والبضائع الصينية التي تصلح للبسة واحدة فقط.وهناك ..

الفلافل المقلي بزيت منتهي الصلاحية، بدل المولات..بالات على بسطات سرقت الارصفة، شبه شوارع باكية، منازل مهترئة، وبدل الهامبرغر والتوست المحمص والزبدة المرفهة قطعة خبز تٌغط في كاسة الشاي فطور الكثيرين و..اسرع قبل ان يرن جرس المدرسة!

الخلل ليس في الشتاء ولا في البرد بل في من فقدوا الاحساس .اختفت الطبقة الوسطى تدريجياً .منهم من اعتلى صهوة فقره بكده وعرقه و..مدرسته وانضم الى أعلى، ومنهم من ركب الموج في بحر الفساد و انضم الى طبقة المليونيرات. الخلل في ان الكذب أصبح موهبة والفهلوة شطارة والنفاق يفتح الأبواب.

يخيل اليك ان المدينة وهم وما تراه سراب . المدن الحقيقية صدى للقرى والارياف. الطريق بينها، منها وإليها، كان يجب ان يظل سالكاً بانتظام بالاتجاهين .وأن تتوزع الثروات على الإنسان أينما كان. الأوطان ليست العاصمة فقط والإنسان الجائع يفقد كثيراً من وزنه و انتمائه وتصبح بطون أبنائه ..وطنه!

هامش: كتبت كثيرا من هذا الكلام قبل سبع سنوات ولم يزل محتفظاً بصلاحيته الى اشعار آخر!