(«التطهير العرقي» وضرورة تطهير الوعي العربي من عنصرية اللغة)
اخبار البلد- شاركت مؤخرا في فعاليات المؤتمر العالمي للأدب الفلسطيني 2020 بعنوان «فلسطين تكتب» في دورته الأولى. وكان أحد الأسئلة التي وجهت للمحاورين في الجلسة، التي كنت من الأدباء المدعوين لها، كان المحور عن رأينا في مسألة التطهير العرقي في فلسطين
في إجابتي، اعترضت على هذا التعبير من أصله، وأحب أن أقدم وجهة نظري هنا للقارئ العربي، الذي لم «يخترع» تعبير «التطهير العرقي» لكنه يستخدمه في كل المنصات الإعلامية والاجتماعية يوميا في اللغة العربية وفي الترجمات منها وإليها
مصائبُ قوم عند قوم فوائد
اللغة بشكل عام هي تعبير عن وجهة نظر، وهي تماما مثلما قال أبو الطيب المتنبي بعبقرية: بذا قضَتْ الأيّام ما بين أهلها، مصائبُ قوم عند قوم فوائد
التعبير اللغوي الذي يأتي به قوم عنصريون ويخدم رؤيتهم ويفيدها، على الأغلب، هو مصيبة عند القوم الذين ترميهم به سهام هذه التسمية التي تكرس وجهة النظر التي تحمله. التطهير لغويا واجتماعيا هو عملية طبية، فنحن نطهر الجرح، ونطهر أنفسنا، ونطهر قلوبنا، ونطهر منازلنا، ولا يختلف الناس على أن التطهير والطهارة هي صفات محبذة، وقد تصل إلى مستوى القدسية في «لا يمسه إلا المطهرون»
لهذا فالتطهير يحمل وجهة نظر ترمي إلى التخلص من دنس ما من مرض ما من أذى ما من مشكلة ما تعيق الصحة والحال المرغوب به
وهؤلاء الذين أتوا بتعبير يصف إبادة أجزاء من الإنسانية، وأطلقوا عليه «التطهير العرقي» قصدوا القول بأن التخلص من بعض الجماعات يستند إلى أنهم في قيمتهم الإنسانية، ليسوا أكثر من قذارة، أو أذى، أو مرض تتطلب الصحة التخلص منهم. وحين يتبنى معظم الإعلاميين والناس والمفكرين والمحاضرين والدارسين في العالم هذا التعبير، يقومون من غير قصد بتكريس عنصرية هذا التعبير، وفكرة أن هنالك أجزاء من الإنسانية ليست أكثر من «دنس» في قيمتها والدنس هو عكس الطهارة
تنظيف اللغة
لهذا اقترح التوقف مباشرة عن استخدام تعبير «التطهير العرقي» والانتقال إلى استخدام تعبير «التدمير العرقي أو الإبادة العرقية» أو ببساطة استخدام تعبير العدوان على هذه الجماعة أو تلك. إن من يستخدم لغة عنصرية للرد على فكر يحاول التخلص من العنصرية، يفشل بسبب أن التعبير نفسه هو الرسالة للعقل، ويدخل إلى اللاوعي، ويبطل مفعول الكلمات التي تتبعه بسبب التناقض في المنطق. فقبل أن نستخدم تعابير من وجهة نظر مدمرة لما نريد إنجازه من حرية، علينا أن ننظف اللغة التي هي أداتنا وطريق تواصلنا مع أنفسنا وغيرنا. فالكلمات والتعابير مثل أواني المطبخ، إن كانت قذرة وملوثة ستلوث كل ما يوضع فيها
ولغتنا العربية في حاجة إلى تطهير من كل قيم العبودية، والاحتلال، والجهل والتدمير العرقي للعروق الفكرية والأغصان الحضارية، والثمار المضيئة التي هي أملنا في التطور نحو إنسانية لا ترى أي جماعة من الناس على أنهم قذارة يجب التخلص منها
كاتبة فلسطينية