حماية الاقتصاد الوطني


اخبار البلد - بعد أن قدم التهنئة لنواب الأمة بنيلهم الثقة من أبناء وبنات الوطن، وأكد أهمية الالتزام بالاستحقاقات الدستورية، وأظهر اعتزازه بالإنجازات، وثقته بالشعب ووحدته وتضحيات الآباء والأجداد، دخل الملك عبدالله الثاني في صلب القضايا التي تؤرق يومه ويوم المواطن والعامل والموظف والمستثمر وأصحاب القرار فلخصها في ثلاث أولويات؛ الأولى صحة المواطن وسلامته، والثانية الاستمرار في حماية الاقتصاد الوطني، والثالثة الاستفادة من الفرص الواعدة لدينا في الصناعات الغذائية والدوائية والمعدات الطبية والزراعية.
في خطاب العرش، أراد الملك عبدالله الثاني من الحكومة البناء على قصة نجاح الأردن، فطلب منها وضع خطط وبرامج للعمل والقرارات المدروسة القابلة للتطبيق بشراكة فاعلة مع القطاع الخاص. وعاد وذكر مجلس الأمة والحكومة بأن ثقة المواطن بمؤسسات الدولة تستدعي المزيد من العمل وتحسين الخدمات، وخاصة تلك التي يتعامل معها المواطن كل صباح ومساء؛ الصحة والتعليم والنقل.
ما أود التركيز عليه في هذا المقال هو الأولوية الثانية بحسب خطاب العرش، ألا وهي الاستمرار في حماية الاقتصاد الوطني. فكيف نعمل على حماية الاقتصاد الوطني؟!
باعتقادي، أنه يمكننا أن نحمي الاقتصاد الوطني عندما: أولاً: يكون لدينا منتجات محلية تلبي حاجات المواطنين من السلع والخدمات بنوعية ممتازة وبأسعار في متناول شرائح المواطنين كافة وخاصة الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. ثانياً: عندما نحافظ على المستثمرين والمنتجين المحليين (أردنيين وغير أردنيين) ونحمي منتجاتهم من الإغراق والسلع الرديئة المستوردة. ثالثا: عند المحافظة على مستوى معتدل من التضخم والحد من مستويات الفقر والبطالة ونزيد من مستويات تشغيل الشباب والمرأة. رابعا: تشجيع القطاع الخاص والدخول معه بشراكات حقيقية تعمل على النهوض بالقطاعات الاقتصادية والبنية التحتية وخاصة في مجالات الصحة والتعليم والنقل. خامسا: تحقيق مستويات متقدمة من الاكتفاء الذاتي وتحقيق معدلات مرتفعة من الأمن الغذائي وأمن المياه والطاقة. سادسا: عندما يستطيع 100 % من طلابنا في المدارس والجامعات الدخول مجانا لمنصات التعليم عن بعد. سابعا: عندما تصل نسبة التأمينات الاجتماعية والصحية الى 100 % من المواطنين (عاملين ومتقاعدين) والسكان المقيمين قانونياً داخل حدود المملكة. ثامنا: عندما نقضي على الفساد والمحسوبية ونتعامل بشفافية وبدرجة عالية من المكاشفة بين الحكومة والمواطن. تاسعا، عندما تنخفض مستويات الفاقد والهدر والإداري في شبكة المياه من 50 % وفي شبكة الكهرباء من أكثر من 13.7 % الإجمالي سنوياً (أو ما يعادل 150 مليون دينار سنويا) الى مستوياتها العالمية المقبولة. عاشرا: عندما نقلص مستوى عدم المساواة في الدخل والثروة بين الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى من جهة والأغنياء من جهة ثانية. حادي عشر، عندما ندخل معاً الثورة الصناعية الرابعة بكل مكوناتها. فهل يمكن تحقيق ذلك بالأدوات والسياسات الحالية والسابقة نفسها؟
الجواب لا. لماذا؟ لأن السياسات التي اتبعت حتى اليوم أوصلتنا -بعد تحييد آثار جائحة كورونا- الى معدلات نمو اقتصادي لم يتجاوز متوسطها 2 % طول الأعوام العشرة الماضية، ومعدلات بطالة (23.9 %) تجاوزت مستوياتها التاريخية.
كل ذلك يتطلب نهجاً جديداً في إدارة القطاعات الحكومية والعامة من السلطات المتخصصة، وحتى القطاع الخاص بمكوناته وشركاته الميكروية والمتوسطة والكبيرة، وبغرفه ونقاباته وجمعياته كافة.
لن تكون مهمة حماية اقتصادنا الوطني وتحويل نظامنا الاقتصادي سهلة بهذا النمط من الإدارة الكلية للاقتصاد. ولا يكفي تكييف النظام الحالي تدريجياً كما كنا نفعل سابقا في خططنا السابقة. التغيير الجذري مطلوب ضمن عملية تطورية، بحيث نعيد تعريف التقدم، ونعيد تقييم الطريقة التي نعيش بها، بحيث نتعاون ونتواصل معاً لإعادة تصميم اقتصادنا. يجب علينا تغيير السياسات لإعادة تعريف أسس الرأسمالية التي نعيشها من عقود وجعلها نظاما اقتصاديا هادفا يتماشى، بحده الأدنى، مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، المبنية على أبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.