جدل العودة للمدارس والتسرب والفقر
اخبار البلد - حتى اليوم، لا يبدو أن الأهالي مقتنعون بمبررات استمرار تعطيل الصفوف المدرسية واعتماد التعليم عن بعد. هذا النوع من التعليم أفرز تحديات عديدة، على صعيد العدالة والشمولية والجودة، وأيضا ألقى بتحديات أخرى على كاهل الأهالي.
عضو لجنة الأوبئة وأستاذ علم الفيروسات د. عزمي محافظة، يؤكد عدم وجود مبرر لاستمرار إغلاق المدارس، داعيا إلى إعادة فتحها لعدم ثبوت أنها يمكن أن تكون بؤرا لانتشار وباء كورونا، وبذلك تنتفي الأسباب المعلنة لاستمرار التعطيل.
هذا جدل علمي، وعلى أهميته، سنتركه للمختصين، ولكن أمورا أخرى لا يجب أن نتركها على حالها، بل ينبغي أن يصار إلى دراستها جيدا، وتبيان مدى خطورتها في ظل التعليم عن بعد.
مؤخرا، كشف المجلس الأعلى للسكان، بدراسة شاملة، أن الفترة من 2011 – 2019، شهدت تسرب زهاء 44 ألف طالب من مرحلة التعليم الإلزامية. لن أخوض بهذه الدراسة، ويمكن لمن أراد العودة إليها. لكنني أود التأشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الرقم الكبير الذي كشفته تأتّى من معاينة تسعة أعوام ماضية لم تشمل العام الحالي، وهي فترة مثلت فيها الدراسة في الأردن حالة مستقرة لم ينشأ خلالها "مؤثرات” تعزز ظاهرة التسرب.
إذن، كيف يمكن أن ننظر إلى دراسة المجلس وإحالاتها بالنسبة لعام استثنائي نعيشه منذ منتصف آذار الماضي، ويلقي بظلاله على جميع جوانب الحياة؟
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الطلبة المتغيبين عن الدراسة أكثر من عشرة أيام لديهم قابلية أكثر بنسبة 36 % للتسرب من المدرسة، فهل يمكن لهذه الدراسات إخبارنا بشيء ما حول العام الدراسي الذي نعيشه؟
بالتأكيد؛ فجميع الطلبة، ومن دون استثناء، هم متغيبون عن حصص الفصل الثاني للعام الدراسي الماضي، ومتغيبون، أيضا، عن جميع ما مر من حصص الفصل الحالي. سيجادل كثيرون في أن الدراسة عن بعد لا تعد تغيبا، وقد يكون هذا الأمر صحيحا في جزئية واحدة منه، وهي أن "بعضهم” يتلقى تعليما. ولكن ظاهرة التسرب تعنى بدراسة السلوكيات المساعدة، والبيئات الداعمة، والظروف المحيطة.
في حالة جلوس الطالب في البيت لأكثر من تسعة أشهر من دون التحاق بالصفوف، فإن ثمة ما يعزز فرضيات "استسهال” هذا الظرف والسلوك. ثمة طلبة كثيرون غير راغبين اليوم بانتظام التعليم في المدرسة. لقد سيطرت عليهم فكرة "الكسل” والبقاء في المنزل، وفتح المنصات وتسجيل الدخول، ثم العودة للنوم أو اللعب، بما أنه لا توجد رقابة فعلية على الحضور الكامل للحصة، وفحص مدى الاستيعاب!
هذا بالنسبة للطلبة الذين تتوفر لهم إمكانيات الدخول التكنولوجية، وربما الذين يحرص الأهل ويدعمون استمرارهم في الدراسة. ولكن، ما الذي يمكن أن نقوله عن العائلات التي تم سحقها على وقع جائحة كورونا خلال الأشهر الأخيرة!
تبعا للإغلاقات العديدة، وتغير أنماط الاستهلاك المحلية، وإغلاق العديد من الشركات والمصالح التجارية، هبطت مداخيل العديد من العائلات، بينما انضم كثيرون لصفوف البطالة، في واحدة من أكبر النكسات الاجتماعية والاقتصادية التي مني بها الأردن طوال تاريخه.
في ظل وضع كهذا، تبدلت، أيضا، أولويات عائلات أردنية بالنسبة لكثير من التوجهات، والتي كان بعضها مقدسا، ومنها التعليم. إن عائلة تفشل في تأمين قوت يومها، لا بد لها من أن تضع باعتبارها أولوية لقمة الخبز على ما غيرها.
عمال المياومة، وأصحاب المصالح الصغيرة، والحرفيون وغيرهم، واجهوا تحديات خطيرة في القدرة على الاستمرار بتأمين احتياجاتهم الأساسية. هؤلاء سيفعلون أي شيء لدعم بقاء عائلاتهم متماسكة. لذلك، لم يعد التعليم أولوية لديهم في حالة كهذه، وربما سيدعمون تسرب أبنائهم إلى سوق العمل، ومساهمتهم في دعم الأسرة.
من هذه النقطة، يبدو أن طرح العودة للمدارس كشعار براق، فقط، لن يكون مجديا، إذ يتوجب على الدولة، بالإضافة إلى تأمين عودة آمنة، أن تتبنى برامج دعم حقيقية للطبقات التي خسرت كثيرا من مقومات بقائها خلال الجائحة.
ينبغي أن نتوقف عن بيع الوهم للناس. غدا، وحين تنتظم الدراسة في الغرف الصفية من جديد، سوف نكتشف الأعداد الكبيرة للمتسربين. هؤلاء ضحايانا. إنهم ضحايا فشل برامج التنمية الكثيرة التي صدعونا بها. يجب أن نفكر بالأمر على هذه الشاكلة!
نحن هنا لا نتحدث عن فاقد التعليم لدى الطلبة المتشبثين بدراسة أشبه بـ”السيرك”، وإنما عن أطفال يوشكون أن يكونوا لقمة سائغة للشارع ومخاطره!