وقفة احتجاجية ضد «الغد»؟

 
ثمة روايتان مختلفتان لما جرى ليلة الجمعة الماضية في مبنى زميلتنا صحيفة الغد، الرواية الأولى حملها بيان لعدد من ابناء محافظة الكرك، يقول أن ما جرى مجرد «وقفة احتجاجية» واعتصام سلمي أمام الجريدة، «جاءت للتنديد والاحتجاج على عدم الموضوعية واختلاق الاخبار، من جريدة الغد اليومية، والتعرض بالإساءة إلى بعض المسؤولين، من أبناء المحافظة المعروفين بالنزاهة والكفاءة في محافظة العقبة والتشهير فيهم على صدر صفحاتها دون تحري الدقة من وسيلة إعلام معروفة وجريدة يومية توجه الرأي العام» وأنا انقل هنا حرفيا ما جاء في البيان، دون تدقيق لغوي حتى، ووفق البيان، يروى بعض أبناء المحافظة تفاصيل ما جرى، فيقولون أنه يناقض بيان الجريدة، وصنع البطولات والاعتصامات وتسجيل المواقف، وان القصة الحقيقة أنهم شاهدوا على الموقع الالكتروني خبرا يتعلق بأحد المسؤولين من أبناء المحافظة، وهذا الخبر عار عن الصحة وبأنه اغتيال للشخصية واغتيال للرموز الوطنية المعروفة بالنزاهة و الشفافية، وفعلا عند الاتصال مع رئيس التحرير في الجريدة استجاب لطلب قطاع واسع من المتصلين وتم سحب الخبر عن الموقع الالكتروني (حسب ما أفادني رئيس التحرير فالخبر لم يتم سحبه!) ولكن تم نشرة في الجريدة المطبوعة وقام رئيس تحرير الجريدة «بالاعتذار» عن سحبه من الجريدة المطبوعة لأنه تمت طباعتها حسب رأيه، كما يقول البيان حرفيا، ويقول كاتبو البيان أن المحتجين باعتصامهم السلمي أمام جريدة الغد نادوا بحرية للإعلام سقفها السماء لكن ضمن حدود النزاهة و الموضوعية والمصداقية وفي إطار التحري
الإعلامي المهني السليم عند صياغة الخبر ونشره، وثمنوا دور الصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة بكل أنواعها وقدروا دورها الوطني الحيادي في نهضة الوطن!

أما الرواية الثانية فتحمل تفاصيل أخرى مغايرة، وهي رواية الزميل فؤاد ابو حجلة، رئيس تحرير الغد، كما رواها لي لدى اتصالي به بالأمس، ان مجموعة من الأشخاص داهموا مبنى الصحيفة عند منتصف ليلة الخميس الجمعة، وأغلقوا بوابتها الرئيسة، وحاولوا منع توزيعها، وتم تهديد الموزعين، وحين استنجد الزملاء بالأمن العام جاءت سيارات الأمن، إلا أنها لم تتدخل، باعتبار ان ما يجري مجرد احتجاج وبقيت الجريدة تحت «الحصار» حتى الساعة السادسة صباحا، حيث تم «تهريب» أعداد الصحيفة من باب خلفي ليصار إلى توزيعها، وفي صحيفة الغد وموقعها مزيد من التفاصيل المثيرة التي تتناقض بالكامل مع رواية البيان المشار إليه، حتى لم يكن الأمر بالقطع مجرد وقفة احتجاجية أو اعتصام «سلمي» بل تعداه إلى ما هو أكثر من ذلك، وهو ما دعا وزير الدولة لشؤون الإعلام، وأعضاء في مجلس النواب، وزملاء، ومؤسسات مجتمع مدني، إلى إبداء غضبهم واستهجانهم ورفضهم لطريقة الاحتجاج، خاصة وأنه تمخض عنها إصابة زميل بجروح بالغة، وهو يرقد على سرير الشفاء، بل إن رواية الصحيفة حملت ما هو أكثر من ذلك، يمكن مطالعته في تغطيتها الواسعة للحدث!

ما حدث له بعد خطير جدا، ليس على حرية الصحافة فحسب، بل على طبيعة علاقة قوى المجتمع ببعضها، حيث ينحو البعض منحى غير محمود العواقب في معالجة «الخلاف» في الرأي أو المعلومات، فنشر رأي أو معلومة حتى لو كانت خاطئة لا يواجه بالعنف أو التهديد، بل ثمة مسارات قضائية وقانونية كفيلة بتصحيح المسار، ذلك أن الاعتداء على صحيفة يشكل مظهرا من مظاهر تراجع هيبة الدولة وسقوط مبدأ سيادة القانون، وفق ما ألمح الناطق باسم الحكومة، الأستاذ راكان المجالي، والطريق السليم للتعامل مع حالة كالتي وقعت، هو القضاء فحسب.

نقف بقوة إلى جانب زميلتنا الغد، ونرجو أن يتم تطويق المشهد بروية وحسن تصرف، بما لا يؤثر على حرية الصحافة، التي هي ضمانة للدفاع عن حق المجتمع في المعرفة، وحرية الرأي.



hilmias@gmail.com