المغرب: توالي ردود فعل النخبة السياسية والفكرية على قرار التطبيع مع إسرائيل

اخبار البلد ـ ما إن أُعلن عن قرار استئناف التطبيع بين المغرب وإسرائيل، عشية أول أمس الخميس، بالموازاة مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف بلاده بمغربية الصحراء الغربية، حتى توالت ردود الفعل لدى النخبة السياسية والفكرية ما بين مُعارضين للقرار ومؤيّدين له.

النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، أبوزيد المقرئ الإدريسي نشر تدوينة على صفحته الرسمية يردّ فيها على ما أسماه "وهم” أن المغاربة كسبوا مقابل التطبيع مع إسرائيل الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، بالقول: ما أسهل أن يأتي بايدن ويمحوه بجرة قلم، في سطر تغريدة، كما فعل ترامب مع الاتفاق النووي الإيراني،في حين يستحيل علينا نحن الضعفاء التراجع عما ورطنا فيه، أو حتى التوجع من السكين الصهيوني حين ينغرس عميقاً في الأحشاء، أو حتى ردع المغاربة المتصهينين عن صلفهم وعتوهم، على قلّتهم وتفاهتهم.
وتابع في تدوينته: "ما نفع ياسر عرفات اعتراف 100 دولة به دفعة واحدة، فور انتهائه من خطابه "التاريخي” بمقر الأمم المتحدة في جنيف سنة 1988؟ وما نفعه اعتراف العالم به كله، بما فيهم إسرائيل، بعد توقيعه اتفاق غزة أريحا، برعاية كلنتون يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993؟ بل وحصوله على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع رابين؟ لم تكلف "إسرائيل” نفسها، بعد كل ما أعطاها، إلا أن تقول له، يوم وصل الموعد المتفق عليه لقيام الدولة الفلسطينية على 22 في المئة فقط من أرض فلسطين التاريخية: "ليس هناك تواريخ مقدسة!” ثم تداعت دول الغرب كلها تتناهق تناهق الحمير: إياك يا عرفات أن تركب رأسك وتعلن الدولة الفلسطينية من طرف واحد! فلن ننصرك! ثم بعد ذلك قتلوه!”.
واستطرد قائلاً: "هكذايطلبون منا التعقل حين نظلم، مع الالتزام الكامل بما أكرهنا على توقيعه،ولا يطلب من الطرف الآخر أي شيء مقابل دعم شامل غير منقوص ولا مشروط. فكيف لنا بعد كل هذه البيانات، أن نصدق حديثاً معسولاً عن مصداقية للصهاينة، أو جدية لأمريكا، أو توازن في المواقف؟ولم نضيّع كل هذا الوقت والجهد؟ ما نفع الهنود الحمر أن وقعوا مئات اتفاقيات السلام بعد تنازل رهيب عن حقوقهم المتعلقة بوجودهم، وعلى امتداد أربعة قرون، إلا اتخاذ تلك الاتفاقيات سبيلاً لإبادتهم ومحوهم من الوجود. إنه الخراب القادم، لننظر ما فعل بمصر وهي أقوى وشعبها أعرف بالصهاينة وهو لهم أشد كراهية. كيف وقد خربت مصر من إسرائيل مع الفشل الكامل للتطبيع الشعبي واقتصاره على المستوى الرسمي. كيف ووعينا بالقضية لا يتناسب مع حبنا لفلسطين؟”.
واختصر الشاعر المغربي صلاح بوسريف موقفه الرافض للتطبيع في الكلمة التالية التي دونها بجانب العلم الفلسطيني: بالعَلم ذاته، لا بغيره، ستبقى فلسطين جرحنا الذي لن نستبدله بأي دم فاسد…”.
كما نشر الشاعر إدريس علوش تدوينة ذات نفس شعري بخط يده قال فيها: التطبيع، طابع بريد للتعبير عن زيف المرحلة. والمقاومة مناعة لتحصين القيم من شؤم المهزلة”.
وكتب الحقوقي لحبيب ازهاري ما يلي: كيف لي أن أفرح والشعب الفلسطيني حزين؟ فالفرحة الكبرى عندما تتحرر فلسطين. قبل ثلاث سنوات، بالضبط يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر 2017 خرج المغاربة في مسيرة حاشدة احتجاجاً وتنديداً بقرار ترامب القاضي بنقل سفارة أمريكا إلى القدس والاعتراف بهذه الأخيرة عاصمة أبدية لإسرائيل. واليوم، يحاول البعض التهليل لترامب على توقيعه لمرسوم يقضي بالسيادة المغربية على كافة أراضيه الصحراوية. إن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2017 هو نفسه سنة 2020 فلا داعي للتطبيل لمن ينادي بالتطبيع.

*الشعب لم يستشر

واعتبر الخبير المغربي المهاجر جواد الخراز، رئيس الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لتحلية المياه في سلطنة عمان، أن "القرارات الفردية التي لا يُستشار فيها الشعب، على الأقل عن طريق برلمانه مهما كان صورياً، لا يمكن أن تكون صائبة للأسف.
كما وصف الكاتب الصحافي في موقع قناة "الجزيرة” عبد الإله المنصوري إعلان التطبيع بين المغرب وإسرائيل بالخبر الكارثي واليوم حزين، ونشر تدوينة رأى فيها أنه "في اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي اختارت الإنسانية فيه أن تستذكر قيمها وتناهض كل الممارسات المنتهكة لكرامة الإنسان، يسقط علينا الخبر الصاعقة؛ المغرب يعلن الاعتراف رسمياً بكيان الإرهاب الصهيوني”. وعلق قائلاً: "يا له من يوم أسود بحق!”.
وأردف قائلاً: "في تفاصيل الخبر أن رئيساً أمريكياً يعيش هزيعه الأخير في البيت الأبيض وقع أمراً تنفيذياً بالاعتراف للمغرب بسيادته على الصحراء. وفي مقابل ذلك قيام الدولة المغربية بالتطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني. فهل يليق ببلد مثل المغرب أن يستمد اعترافاً بسيادته على جزء من ترابه الوطني هو الصحراء من رئيس آفل بقرار تنفيذي لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به؟! (القرار التنفيذي يمكن للرئيس القادم جو بايدن أن يلغيه بجرة قلم بسيطة). والمغرب موجود على صحرائه منذ استرجاعها من الاستعمار الإسباني قبل 45 سنة بعد أن احتلها الإسبان منذ سنة 1884، بعد أن قدم من أجلها مئات الشهداء ضد الاستعمار في موجات متعاقبة من المقاومة (64 سنة قبل احتلال الصهاينة لفلسطين للتذكير فقط). وفي المقابل ماذا؟ الاعتراف باحتلال دولة شقيقة اسمها فلسطين من طرف كيان الإرهاب الصهيوني الذي احتلها منذ 1948 وهو يسوم أهلها سوء العذاب. هذا الشعب العظيم الذي كان يجمع التبرعات تضامناً مع المغرب منذ ثورة محمد عبد الكريم الخطابي في العشرينات وواصل دعمه لاستقلال المغرب في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي وهو يرزح حينها تحت نير الاستعمار البريطاني البغيض”.
وأكد المنصوري أن "هذا القرار لا يمثل الشعب المغربي المعروف بمواقفه التاريخية من القضية الفلسطينية، وبمسيراته المليونية، وبالمئات من المقاومين والعشرات من الشهداء على ثرى فلسطين الذين ما زال بعضهم محتجزاً من عشرات السنين في مقابر الأرقام هناك، وبالمئات من مثقفيه الذين تصدوا للاحتلال الصهيوني ولأساطيره المؤسسة لكيانه الغاصب”.
وختم تدوينته بالقول: "ستبقى فلسطين مهوى أفئدة المغاربة والعرب وكل أحرار العالم. وستبقى فلسطين بوصلة الانتماء للقيم الإنسانية النبيلة، من اقترب منها اعتز ومن أساء لها اهتز. وسيبقى النضال من أجل فلسطين شرفاً لا يناله المتهالكون والمهرولون وسيبقى التطبيع خيانة ما بعدها خيانة. فلسطين باقية والاحتلال إلى زوال”.
وتحت عنوان "فلسطين أمانة… ولا للتطبيع باسم الصحراء المغربية”، أصدرت "مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، أمس، بياناً نددت فيه بإعلان المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل، وقال إن "الصحراء المغربية حررها وبناها ونماها الشعب المغربي، ولا تحتاج لتزكية أي من الصهاينة ولا الأمريكان لتأكيد مغربيتها”.
البيان وصف قضية فلسطين بالقضية الوطنية منذ عقود خلت، واستنكر بشدة ما وصفه بـ”الهرولة نحو التطبيع والذي لا يمكن القبول بغطاء الصحراء لتسويق موقف التطبيع الخياني، كما يحاول وزير الخارجية، عبثاً، ادعاء ذلك وتبريره، بل إن ذلك هو أكبر ما يسئ للقضية الوطنية ويقدم أكبر خدمة لخصوم وحدتنا الترابية ويعطي مصداقية لمزاعمهم الانفصالية التفتيتية التي يغلفونها بخطابات التحرر المزيفة”.
وسجلت "المجموعة” في بيانها "بكل غضب هذه السقطة الكبرى في وحل التطبيع مجدداً، بعد عقود عجاف من مسلسل الهرولة تحت عنوان السلام الذي آل إلى محطة الخزي في صفقة القرن ومحاولة الإجهاز على قضية فلسطين”، داعية مكونات الشعب المغربي "للتعبئة الشاملة على كل المستويات لمواجهة موجة التطبيع الجديدة وحماية ذاكرة وموقع وموقف المغاربة الأصيل الداعم لكفاح الشعب الفلسطيني والرافض لوجود الكيان الصهيوني فبالأحرى التطبيع معه”. وأكدت أن "موقف الشعب المغربي الرافض مطلقاً لكل أشكال التطبيع الصهيوني كيفما كان مستواها وكيفما كانت طبيعتها وأياً كانت مبرراتها”.

*انتصار دبلوماسي

في مقابل ذلك، وصف الأكاديمي محمد الدرويش، عضو المجلس الوطني لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” المشارك في الحكومة، الحدث بأنه "انتصار دبلوماسي كبير، بانعكاسات اقتصادية وثقافية وفكرية واجتماعية حصل اليوم، بإصدار الولايات المتحدة الامريكية لمرسوم اعتراف بمغربية الصحراء”. وأعرب عن اعتقاده بأنه "لا بد أن هذا القرار سيكون له ما بعده على المستوى المغاربي والعربي والدولي”.
وكتب محمد البوكيلي، عضو المكتب التنفيذي للمنظمة الشبابية التابعة لحزب "الاستقلال” المعارض، أن "الرهان على اقتلاع إسرائيل من المنطقة غير منطقي وغير عملي، ولا يمكن للمغرب أن يتنكر لأكثر من مليون يهودي مغربي يعيشون في إسرائيل، ويأتون للمغرب مراراً وتكراراً، لكن أيضاً لا يمكن أن يكون ذلك على حساب قضية فلسطين الثابتة، ووضع القدس الشريف في إطار حل الدولتين كما دافع عنها المغرب دائماً”.
وفي رأي مصطفى تيليوا، رئيس الفرع المغربي "للتحالف الدولي من أجل أهداف التنمية المستدامة”، فإن "مَن يعتقد أن ما حدث اليوم قد يضرّ بالقضية الفلسطينية، فهو لا يفقه شيئاً في التاريخ ولا في السياسة، ذلك أن دعم القضية الفلسطينية يعد من ثوابت الدولة المغربية
حيث تميز المغرب بالدعم التاريخي الثابت والبراغماتي للقضية الفلسطينية”. ويضيف قائلاً: "لا يساورني شك في أنه سيستمر في هذا الاتجاه، خاصة وأن الحل الدائم والنهائي للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي لن يتحقق سوى بتلبية الحقوق الشرعية للفلسطينيين”.
واعتبر عزيز أخنوش، رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار” المشارك في الحكومة، أن "إصدار مرسوم رئاسي أمريكي يعترف بمغربية الصحراء، هو تتويج للعمل الكبير وللرؤية الحكيمة للعاهل المغربي محمد السادس منذ تربعه على العرش، في سبيل الدفاع عن الوحدة الترابية لبلادنا، ولترسيخ مغربية الصحراء والنهوض بمسار التنمية في أقاليمنا الجنوبية”. وأضاف في تصريح لصحيفة "هسبريس” الإلكترونية أن "من أكبر تجليات هذا الإعلان التاريخي هو عزم الولايات المتحدة الأمريكية افتتاح قنصلية لها بمدينة الداخلة، وما تحمله هذه الخطوة من دلالات قوية، وإشارات رمزية، سيكون لها شأن في تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما لفائدة ساكنة أقاليمنا الجنوبية”. وثمّن المبادرات التي قال إن المغرب يعتزم اتخاذها لدعم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة تلك التي تستهدف الجالية اليهودية من أصل مغربي بإسرائيل، التي ستسمح لها بربط الاتصال ومد جسور التواصل بالمغرب. وأكد ترحيب حزبه بتأكيد العاهل المغربي على الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة، وعلى وضعه للقضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية.