الإدارة العامة والجدلية بين السياسي والإداري

أخبار البلد-

 
تتعدد الطرق في بناء الدول وقيادتها، فمنها ما يُركز على دور طليعي للقيادة السياسية في بنائها ودورها السياسي والتنموي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي، ومنها ما يُركز على التكنوقراط كحكومة متخصصين في مجال المهام المنوطه بهم وهي غير حزبية، و تُستخدم في حالة الخلافات السياسية وضعف الاحزاب، وآخرى البيروقراطية، وهي قيادة حريصة على تطبيق القوانين بالقوة.
اما فكرة حكومة التكنوقراط فقد ظهرت حديثا، وهي حكومة الخبراء في مجال عملهم ومؤهلاتهم، وهذه النخبة قادرة على عمل الدراسات وتقديم الاستشارات الفنية والمهنية للقيادات السياسية التي بدورها تستثمرها في ادارة الدول.
اما انها تُشكل الحكومات، فلا نجد مثيلا لها الا في الدول النامية والفقيرة التي لا يوجد لديها احزاب قوية برامجية تقودها قيادات وطنية قادرة على تنفيذ برامجها في تسيير شؤون بلادها وتطورها وازدهارها، فإدارة الحكومات تحتاج الى قادة تقودها وليس الى كبار من الموظفين التنفيذيين.
اما الأنظمة البيروقراطية، فيُشرف عليها ويديرها طبقة من كبار الموظفين الحريصين على استمرار وبقاء نظام الحكم لارتباطه بمصالحهم الشخصية، حتى يُصبحوا جزءً منه ويُصبح النظام جزءًا منهم .
وهذا الانفلات البيروقراطي يكون مصدر الكثير من المشكلات الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، وقد يكون سبب تفشي الفساد الإداري ليمتد الى تكريس الفساد الاداري والمالي بشكل مقونن.
فالفساد الإداري لا يقصد به استغلال الوظيفة العامة لتحقيق مصالح خاصة وحسب، وانما صنع القرارات واستخدام الموارد بطريقة غير كفوءة ما يكون لها آثار سلبية سيئة على مسار الدولة بشكل عام وعلى مجتمعاتها على المدى الطويل، فتُهدر الكثير من الفرص والمخصصات المالية الضخمة لو وظفت توظيفا صحيحا، لأصبحت هذه الدول أكثر قدرة على مواجهة التحديات ومعالجة المشاكل، خاصة تلك التي لها تداعيات سلبية وتمتد لتطول الجميع، مثل وباء البطالة والفقر وما تفرزه من سلوكيات خاطئة تراوح بين فقدان الأمن، لينسحب إلى بطء في نمو الاقتصاد الوطني .
يعتبر رأس المال البشري من اهم الموارد لأي دوله، فهو من يصنع الدول ويبني المؤسسات، مما يتطلب العمل على اعداد هذه الكوادر من بداية السلم الوظيفي اعدادا جيدا، وتمكينهم بالدورات والخبرات التي تتناسب مع كل درجة من الدرجات الوظيفية، مُعتمدة على فلسفة علمية ومهنية، وبالتالي يُصبح لدى الدولة عدة مستويات من الخبرات والقدرات والاعداد، وهذه تُوفر مخزونا من الكفاءات في المستويات الأول» والثاني» والثالث والرابع ...
هذا الخزان سيكون المصدر الرئيس عند تشكيل الحكومات وتزويد مؤسسات الدولة بالقيادات الادارية والفنية لبنائها بناء سليما يسوده العدالة والكفاءة عند الاختيار، لتتدرج وظيفيا مع التأهيل المستمر على مدار سنين الخبرة لتصل الى اعلى الهرم الوظيفي .
والى جانب هذا يتطلب اعداد القيادات السياسية من خلال الاحزاب البرامجية الفاعلة على الساحة، وعندها يصبح يقيناً ان المواقع القيادية في الادارة العامة لا يملأها الا سياسي كفوء مُتمرس يمتلك موهبة القيادة وثقافتها .
ولا يكفي التركيز على تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية وحسب، وانما يجب تقديم الخدمات المطلوبة للمجتمعات كماٌ ونوعا، والربط بين المخصصات المالية وتأثيرها، وهذا لا يتأتى إلا من خلال المجالس النيابية الحزبية الفاعلة، وإلا ستستمر الحكومات في الإنفاق السخي دون معالجة مشكلات شعوبها من جذورها.