عن أزمة الصحافة المطبوعة.. مرَّة أُخرى لا أخيرة



اخبار البلد - تجمّعت لديّ ثلاث «مواد» تتعلق بأزمة الصحافة المطبوعة وسبل تجاوزها، وقد تنوّعت في المواد الثلاث طرق المعالجة وأساليب الإضاءة على أزمة متمادية ما تزال تعصف بها, على نحو بدت وكأنها ضحية عملية مركبة من التجاهل, أو العزوف أو سطوة الثورة الرقمية وتنوع أساليب البث والتدفق الإخباري. ما دفع جمهور القُراء للتوجّه إلى منصّات ومواقع نظروا انها أقل كُلفة أو اكثر إثارة, وأحياناً – لا أُعمّم – كانوا ضحايا الابتزاز والأخبار الكاذبة المُوجّهة لخلق رأي عام لا أُبالي و«مُنبتّ» الصلة بهويته الوطنية وقضاياه القومية, فضلاً عمّا تستبطنه مضامين تلك الأخبار التي يتم بثها وتكرارها, تبدو واقعاً وحقيقة, فيما تفوح منها رائحة الكذب والتحريض على «الاغتراب» عن مُجتمعِه وهويته.
 
ما علينا..
 
كتب الزميل رئيس التحرير مقالة الأحد عن الصحافة المطبوعة, حفلت بكثير من الإشارات والإضاءات, خاصة تذكيره بأن المرحلة الراهنة التي تمر بها الصحافة المطبوعة هي الأصعب والأكثر إشكالية، فصَّلها بشكل لافت في شِقها الكاشف للأزمة, التي تراكمت لسنوات أمام سمع المعنيين وبصرهم, ولم يذهب بعيداً في تحميلهم المسؤولية الكاملة كون جائحة كورونا أسهمت في تعميقها, ما منحَ «المَعنيّين» فرصة أو ذريعة لتحميل كورونا الجزء الأكبر من مآل الصحافة المطبوعة, وإن كانوا يدركون أنَّ أزمة الصحافة المطبوعة كانت وَصلتْ ذروتها قبل الجائحة أو بعدها بقليل..ولم تكن مجرد إضافة عابرة ما وصفه رئيس التحرير الأمل «الوحيد», وهو تعويله على «أن ينبري مَنْ يُعين الصحف على تجاوز أزمتها».
 
فهل من مجيب؟.
 
ثمَّة خبر آخر رفع منسوب الأمل بوجود مُقاربات ووسائل عديدة لخروج الصحف المطبوعة «تدريجياً» من أزمتها, وهو ما أخبرتنا به صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مؤخراً, بأن عدد «المُشتركين» في الصحيفة تجاوز في تشرين الأول الماضي عتبة السبعة ملايين, إضافة إلى مَليونِيّ مُشترك إضافي خلال سنة في نسختها الرقمية.
 
صحيح أننا لسنا في أميركا ولا نتوفر على «أعداد» ديمغرافية كما الولايات المتحدة ذات الثلاثمئة وخمسين مليون نسمة، إلاّ أننا نتوفر على وعي لا يقل عنهم, وقدرتنا على جذب مزيد من المشتركين لم تتبدّد ويبقى ان يُساعِدنا «المَعنِيّون».
 
أُشير أخيراً إلى «فيديو» أرسله إليّ الزميل الصديق حيدر مدانات يتحدث فيه د. عايد العجمي عن إعلان لمجلة «ايكونوميست» البريطانية, خيّرت فيه القرّاء والمواطنين الاشتراك في نسختها الرقمية بـ«59» دولارا أو النسخة الورقيّة بـ«125» دولاراً, فيما الخيار الثالث هو الاشتراك في مقابل «125» دولارا في النسختين «الورقية والإلكترونية», وكانت النتيجة لافتة عندما قام دان إيليري، أستاذ علم النفس في معهد MIT بعرض الخيارات على طلابه, مرّة بـ«خياريْن».. ورقي ورقي/الكتروني, فكانت النتيجة أن 68% اختاروا الأرخص «59» دولاراً، أما عندما عرَض الخيارات «الثلاثة» فكانت النتيجة أن 86% اختاروا الخيار الثالث «الأخير» الورقي/الالكتروني. وتلك مسألة بحاجة إلى تفسير لاحقا, ولكن الآكثر أهمية هنا, أن مبيعات المجلة البريطانية الاقتصادية العريقة ارتفعت بفضل هذا الإعلان بنسبة 43%..