شبهات حول المطعوم



اخبار البلد- سيشهد العالم لحظة تاريخية ما أن تبدأ المملكة المتحدة، اليوم بحملة التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد، ولتكون بذلك أول دولة في أوروبا والعالم تتخذ هذه الخطوة الجريئة على المستوى الشعبي، دون الحصول على الموافقة النهائية على فعالية وسلامة اللقاح من قبل مؤسسة الغذاء والدواء الأميركية.

وتتزامن حملة التلقيح هذه مع جدل واسع يُثار في المحافل العلمية والإعلامية حول مدى سلامة هذه اللقاحات، وآثارها الجانبية، والتي رغم النتائج التي فاقت كل التوقعات من حيث فعاليتها، ومستوى أمانها، على المدى المنظور على الأقل، إلا أن الكثيرين ما يزالون مترددين، ويشككون في سلامة وفاعلية المطعوم.
فاستطلاعات الرأي العام في مختلف دول العالم تشير الى أن أكثر من ثلث المواطنين يتخوفون من أخذ اللقاح، في ظل أجواء تغلفها ظلال من الشك والريبة حول كل ما يتعلق به، ويغذيها الحجم الهائل من المعلومات المشككة والمضللة التي لا تستند إلى البرهان والدليل العملي، مما دفع بعدد من السياسيين، والمشاهير، وصنّاع الرأي العام الى الإعلان عن نيتهم في تلقي اللقاح علناً، لحث الناس على تقبل اللقاح وتعزيز ثقتهم بفعاليته وسلامته وليحذو حذوهم.
والجدل الدائر حول طبيعة اللقاحات وسلامتها ليس مستحدثاً ولا يختص باللقاح قيد البحث: فهناك مجموعات تنشط في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة للتشكيك بأهلية اللقاحات من حيث المبدأ، وتربطها دون حجة علمية بالتسبب بالإصابة ببعض الأمراض مثل التوحد وغيره. لكن ما زاد من حدة الجدل حول هذا اللقاح بالذات هو الصفة المستعجلة التي تمت من خلالها الموافقة عليه وترخيصه، ومحاولة البعض تسييسه. أضف إلى ذلك تركيبة وبُنية المطعوم المختلفة تماما عمّا خبرناه من اللقاحات الأخرى، والتي عادة ما تعطى من خلال حقن فيروس مضعف أو ميت، بينما هذا اللقاح يقوم على حقن جزء من المادة الوراثية للفيروس في جسد المتلقي.
لا شك أن هناك الكثير من الأسئلة الجدلية التي تتعلق بالمطعوم، ولم تجد الإجابة عليها بعد: مثل مدى سلامته على المدى البعيد، وفترة الحماية التي يوفرها، وهل يمكن اعطاؤه لمن سبق وأصيب بالعدوى؟ ولمن الأولوية في تلقي اللقاح بين الفئات المختلفة من السّكان، وغيرها من الأسئلة المؤجلة والتي تحتاج الى المزيد من الوقت للبحث فيها وللإجابة عليها.
لكن رغم هذه التساؤلات المشروعة فإنه من خلال ما يتوفر لدينا حتى اللحظة من معلومات فإن نتائج اللقاح فاقت التوقعات ايجابيةً، فقليل من اللقاحات التي استحدثت على مدى التاريخ: استطاعات ان تحقق كفاءة وفعالية تفوق 90 %، ناهيك عن أن الأعراض الجانبية الناتجة عن اللقاح، وُصفت بالخفيفة، ولم تظهر أي من الأعراض الشديدة عند أي من المشاركين في التجربة، كما كانت قدرة اللقاح على الحماية من الإصابة الشديدة بالمرض ممتازة.
لقد علمتنا التجربة أن القضاء على الفيروسات أو تحجيمها لا يتم إلا من خلال برامج تلقيح فعالة وآمنة وتحظى بثقة الناس، فلا يمكن وقف العدوى ما لم يقبل ثلثا المواطنين على تلقي اللقاح، وهذا يحتاج منا الى التعامل مع الموضوع بشفافية، وأن نحسن اختيار رسائلنا التوعوية، وأن نستعيد ثقة الناس بالعلم والعلماء وبالمؤسسات العلمية التي يجب أن تبقى بمنأى عن التسييس والاستقطاب كونها جدارنا الأخير عندما تختلط الأمور وتتشابك الرؤى والتطلعات