الحقيقة وراء استلام أموال المقاصة...

اخبار البلد - بعد ان تم استلام أموال المقاصة، فالمواطن الفلسطيني سواء أكان مؤيدا أو رافضا للقرار، ما زال يحاول فهم توقيت هذا القرار. السؤال الذي لم يُجب عليه أحد، هو لماذا قررت القيادة الفلسطينية في شهر تشرين الثاني (نوڤمبر) ان تتراجع فجأة عن قراراها السابق وتستلم أموال المقاصة؟ الحاجة الاقتصادية سبب مباشر بالتأكيد ولكن الوضع الاقتصادي تدهور منذ أشهر، فالمواطن الفلسطيني هو من تحمل تبعات هذا القرار منذ شهر أيار، وذاق المر في سبيل دعم ومساندة قرار القيادة الوطني باعتبارها في حِلٍّ من الاتفاقيات الموقعة ورفضها استلام أموال المقاصة تحت شروط اسرائيلية ترتبط بخطط الضم والاستيطان وباقتطاع مستحقات الأسرى والشهداء.

لقد بحثت طويلاً منذ اعلان القرار لأحاول الوصول لتفسير منطقي لقبول القيادة الفلسطينية المفاجىء باستلام الاموال دون مقابل، وبعد البحث والتقصي وبعد مراجعة وقراءة دقيقة لبنود اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994، وفيما يخص أموال المقاصة، اتفق الطرفان ان تقوم إسرائيل بتحصيل ضرائب معينة نيابة عن السلطة الفلسطينية وتحول هذه الإيرادات المحصلة وفقًا لبنود بروتوكول باريس وكما اتفق عليه الطرفان في المواد 3 و 5 و 6 من الاتفاقية.

وجدت في البند الثالث من الاتفاقية نصاً صريحاً قد يفسر السبب الذي تم اتخاذ القرار بناءً عليه خوفاً من خسارة المستحقات والأموال واشارككم النص:

"لغرض حسم الضريبة، الفواتير تكون صالحة لمدة ٦ أشهر من تاريخ إصدارها". إذاً، نستنتج انه وفقًا لبروتوكول باريس وإجراءات المحاسبة المتعارف عليها بين الجانبين وكذلك وفقًا للقانون الإسرائيلي، يجب أن يتم حساب ضريبة القيمة المضافة في غضون ستة أشهر من تاريخ الفاتورة!

بحسابات سريعة، نجد أن آخر شهر لاستلام اموال المقاصة كان في شهر نيسان (ابريل) اي ان الشهر السادس بناء على النص السابق هو شهر تشرين الاول (اكتوبر)، وحسب القراءة القانونية الصريحة للاتفاق، ان لم تقبل وتراجع السلطة الفلسطينية حسابات اموالها المستحقة بعد اكتوبر يسقط حقها القانوني في المطالبة حسب النص.

لتبسيط المشهد للمواطن، هذا تماماً مثل التعامل مع الشيكات البنكية حيث اننا لا نملك الحق في صرف اي شيك بعد انقضاء ٦ اشهر من تاريخ استحقاقه!!!

لذلك بعد شهر أكتوبر، وحسب نص الاتفاق والقانون الاسرائيلي في حسابات الضرائب، لن يتمكن الفلسطينيون من المطالبة بأي مبلغ أو التقدم بطلب للحصول على السداد بناءً على الفواتير الصادرة أو الموقعة بعد أبريل 2020.

كم كنت أتمنى ممن اتخذ القرار، او من خبراء الاقتصاد وممثلي القطاع الخاص الفلسطيني واصحاب الاختصاص ومراكز البحوث الاقتصادية ومن تحكم اعمالهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم اتفاقية باريس الاقتصادية، ان يقدموا تفسيراً منطقياً ينم عن قراءة ومعرفة بتفاصيل هذا الاتفاق الذي لن اخوض في تفاصيله اليوم، الا انني سأعيد توضيح بعض النقاط بخصوص اتفاق باريس:

-الاتفاق جاء لينظم العلاقة الفلسطينية/الاسرائيلية في مجالات الضريبة والجمارك والأعمال والتجارة (الاستيراد والتصدير) والمعاملات النقدية والتأمين والتقاعد والعمال والمقاصة وصندوق تعويض ضحايا حوادث الطرق ومشاريع السياحة.

- المادة الثانية للاتفاقية نصت على انشاء لجنة اقتصادية مشتركة JEC لمتابعة تنفيذ الاتفاق ومعالجة المشاكل التي قد تبرز من وقت لآخر. ومن حق كل جانب ان يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق هذه اللجنة. أليس من حق المواطن ان يتعرف على اعضاء هذه اللجنة المسؤولة عن مصير شعب بأكمله من الناحية الاقتصادية؟ ونتساءل متى طالب الجانب الفلسطيني لهذه اللجنة بمراجعة او تعديل اي من بنودها؟

- الاتفاق قد تطرق لموضوع العمل بنظام الكمبيوتر الذي يربط الجانبين لغرض حسم الضريبة لأعمال تجارية ولمقاصة ضريبة القيمة الذي سيحل مكان إجراءات المقاصة المحددة في فقرات الاتفاق، متى نوثق هذه الارقام والفواتير ومتى تصبح مشاركة هذه المعلومات حقا للمواطن؟ متى يتفعل الكمبيوتر؟ وتصبح مشاركة المعلومة واجبا على المؤسسة العامة وحقا عاما؟

- اتفاق باريس نص في مادته الاولى انه وجد لتنظيم العلاقات الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية!! وهنا أُذكر ان الفترة الانتقالية انتهت عام ١٩٩٩.

الحصول على المعلومة هو حق عام، ومن نابع احترامي لعقول الشعب الفلسطيني والمواطنين الذين تحملوا كبد وعناء المرحلة السابقة، رأيت انه من واجبي محاولة تقديم تفسير مبني على دراسة وتقصٍ للحقائق والقوانين التي تحكم كل مناحي حياتنا كشعب تحت الاحتلال.

أما فيما يخص قرارات القيادة الأخرى المتعلقة بإعادة العمل بالاتفاقيات وإعادة التنسيق الأمني والمدني وإعادة العلاقات الدبلوماسية والسفراء مع الدول العربية المطبعة، فللأسف لم أصل حتى هذه اللحظة لتفسير منطقي يقبله العقل بعيداً عن منطق القوة والرضوخ للدبلوماسية القسرية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني إقليمياً ودولياً.