مواسم المراجعة والمحاسبة


الى وقفة للمراجعة بين الحين والاخر ، مراجعة النظر ومراجعة العمل ايضا ، واذا كانت وقفة عرفات للحاج فرصة للتأمل واعادة والنظر فيما مضى من رحلة العمر فإن امام غير الحاج فرص اخرى ، كالعيد مثلا او بدايات السنوات ، او غيرها من المناسبات ، بل ان كل لحظة يمر فيها الانسان يمكن ان تكون فرصة للمراجعة.. حين يمرض او حين يمر به كرب او حين ينام او حين يسرّ ، فهل استثمر احدنا - ولو مرة واحدة - وقتا من هذه الاوقات ليسأل نفسه ، ماذا فعل ، واين اخطأ وأين اصاب ، وما هي علاقته مع الله سبحانه ومع غيره من عباد الله: مع والديه ومع ارحامه ومع جيرانه ، هل ادى حقوق الله وحقوق الناس ، وهل يشعر بالسعادة والطمأنينة ام انه يفتقدهما.. ثم لماذا وما السبب؟

هي - اذن - وقفة للمراجعة او للتأمل ، او للمحاسبة او للتوبة ، ربما تستدرك من خلالها ما فات ، وتستعجل بها ما قد يفوت ، وتعتصم بعدها من التيه والضلال ، وتنقذ نفسك من الخطأ والزلل وطوفان الندامة ، لكن حذار ان تفلت الايام من بين يديك وتندلق الساعات امامك كالهواء وانت سادر في الغفلة او التأجيل والمماطلة او الزهو بزهوة العمر ، او الغرور بقوة الجسد او التنعم بالصحة والمال.. فكل هذه يا صديقي الى زوال.. تذكر بأن العمر والمال والصحة وكل هذه النعم - ليست من صناعتك ، ولا ملكا لك ، انما هبة من الواحد الاحد: ومثلما انت بلا استحقاق يمكن ان تذهب بدون انذار ، فتذكر ذلك وانت تتأمل في هذا الكون او في نفسك وما حواليك.. تذكر بأن دوامها مع الشكر ورحيلها وافتقادها مع الكفر بها ، وتذكر - ايضا - ان الذي اعطاك وحرم غيرك منها له عليك واجب لا يجوز ان تنساه ، واجب الحفاظ عليها والشكر على دوامها.. والاصرار على طاعة المعطي في كل وقت وفي كل مكان.

لا يليق بالمسلم - بل بالانسان - ان يعيش في هذه الدنيا بلا هدف ، وبلا برنامج ، وبلا مشروع ، ولا ان يمضي به العمر دون وقفات يتأمل فيها ما مضى ، ويفكر بما هو آت ، ولا ان تمرّ به الاحداث كأن لم تمر ولم تحدث.. لا يليق به ان يكون سبهللا او امعة او كائنا يأكل ويشرب فقط ، الانسان الذي كرمه الله ارقى من ذلك ، واهم من ان يكون عابرا لا اثر له في الحياة.. ومن اجل ذلك كانت وقفات المراجعة والتأمل ودعوات الانصات لنداء العقل والضمير ضرورية.. وما احكم الذين يتذكرون كل صباح بأنهم يمضون في طريق الله تعالى ، وان عليهم ان يمتثلوا لآداب السير في هذه الطريق.. ويلتزموا بأوامر الشارع سبحانه.. وما اشقى غيرهم ممن لا يفكرون بذلك ابدا..وما اشقانا...