هل سنعود إلى المدارس حقا ؟

اخبار البلد ـ

مِن الجيد أن تعلن وزارة التربية والتعليم أنها تعمل بجهد كبير لتأمين عودة الطلبة للمدارس في الفصل القادم، فهو أمرٌ يحقق جملة من الأهداف التي نطالب بها جميعا.
التعليم الوجاهي يحقق أولا عدالة نسبية لا تتوفر في التعليم عن بعد. ثم إنه يزيح العبء الملقى على كاهل الأهل الذين تورطوا بالكامل في العملية التعليمية لأبنائهم، ويعيدهم مرة أخرى إلى خانة المتابع والمقيّم للتحصيل الأكاديمي للأبناء.
بالتأكيد العودة إلى التعليم الوجاهي تحقق أكثر من ذلك، إذ بإمكاننا أن نوقف الخسارات الكبيرة في تحصيل الطلبة التي باتت أمرا ثابتا من خلال دراسات عالمية عديدة أثبتت أن التعليم عن بعد لا يحقق الإستراتيجيات التعليمية ولا الخطط الموضوعة والأهداف المرجوة، بل يمنح الحد الأدنى من المعلومات والمعارف.
هذا بالنسبة للطلبة القادرين على مواكبة مثل هذا التعليم من دون إسناد حقيقي، ومن دون متابعة مباشرة ودائمة من بالغين. فما بالنا بالصفوف الثلاثة الأولى التي من الممكن أن يكون مؤشر الخسارة لديها وصل لمستويات خطيرة جدا، كون تعليم هذه الفئة يحتاج، بشكل أساسي، لغرفة صفية وتفاعل جماعي مباشر لكي تنخرط في عملية تعلم ذات معطيات محددة وأهداف معلومة ومخرجات واضحة.
هذه الفئة بالذات ينبغي أن لا نشيح النظر عن متطلباتها الأساسية في التعليم، ويجب أن نوفر لها جميع الإمكانيات والوسائل والفرص لتبدأ أولى خطواتها في عملية طويلة تحدد فيها هي مساراتها المستقبلية.
إن كانت العودة محتمة، فينبغي الانتباه إلى جملة من التحديات التي سوف نواجهها فيها، أولاها عدم رغبة الطلبة بالعودة إلى المدارس. فبعد أكثر من عشرة شهور مما أطلق عليه جزافا «التعلم من البيت»، أصبح هناك استسهالٌ لهذا النوع من التعليم، خصوصا مع عملية منحت خيارات واسعة للطفل بأن يمارس حرية كبيرة فيها من حيث قصر وقت الحصة وكيفية قضاء وقت الفراغ بين الحصص، وأيضا الامتحانات التي جاءت متساهلة جدا.
الطالب الذي اختبر الدراسة في الغرفة الصفية سابقا شعر بالحرية الحقيقية في النموذج الحالي، وهو بالتأكيد لن يكون راغبا باستبداله. أما بالنسبة للطلبة الأصغر سنا الذين لم يجربوا تعلم الغرف الصفية فقد وفر لهم النموذج الحالي خيارا مقبولا جدا، فأتاح لهم التعلم من داخل البيت بما يوفره هذا المكان من شعور بالأمان، ولم يجبرهم على مفارقة حضن والديهم، بما يشكله ذلك من تحدٍ كبير عند هذه الفئة العمرية بالعادة.
في الجانب الآخر، هناك مشكلة كبيرة يجب الاعتراف بها، وهي الخسارات التعليمية أو ما أطلق عليه الوزير «الفاقد التعليمي» الذي تأتى من إدارة غير فعالة لعملية تعليم عن بعد على مدار فصلين. هذا الأمر لا يجوز النظر إليه كما لو أنه غياب الطالب عن حصة أو اثنتين، ولا على أنه عدم استطاعة الطالب فهم درس ما، بل هو خسارة تراكمية تسبب بها نمط تعليمي لم نكن جميعنا لا المدرسة ولا الأهل ولا الطلبة جاهزين له.
ينبغي أن يكون هذا في أساس تفكير الوزارة حين تقرر العودة إلى التعليم الوجاهي؛ كيف لنا تعويض الطلبة ولو عن جزء بسيط من هذا الفاقد التعليمي؟
في النماذج التعليمية المتقدمة، يتم النظر إلى العملية بمنظور شامل لا يقبل القسمة أو التجزئة، من هنا فإن المطلوب من الوزارة أن تراجع ما تم تطبيقه خلال الشهور الماضية وتقييم نسبة النجاح في زيادة تراكمية التحصيل لدى الطلبة، والخروج بنسبة الفاقد منها بالنظر إلى الأهداف التي تم وضعها لكل مرحلة دراسية.
حين يتم ذلك سوف نشعر بالطمأنينة كون أبنائنا الطلبة في أيد أمينة وسيتم تعويضهم عن الخسارات التي تكبدناها معهم في مرحلة فُرضت علينا ولم نخترها بمحض إرادتنا.
افتراضاتنا السابقة تأسست على تصريحات لوزارة التربية أخذناها على محمل الثقة بأن ثمة عودة إلى الغرف الصفية في الفصل الدراسي الثاني. سنصدق ذلك، ومن هذا المنطلق نضع هذه التحديات أمام واضعي سياسات التعليم في بلدنا.
لكن إن كانت التصريحات التي يتم إطلاقها اليوم مجرد ذر رماد في العيون، وإن كان لا يوجد لدى الوزارة تصور واضح للمخاطر الحقيقية لاستمرار عملية التعليم عن بعد بشكلها الحالي، فإننا نكتفي بهذه الملاحظات حتى لو لم يسمعها أحد!