المجتمع الأمريكي بين قيم المحافظين والليبراليين
اخبار البلد ـ الولايات المتحدة الأمريكية تثبت في هذا السجال الانتخابي الذي أستحدثه الرئيس والملياردير ترامب مع الرئيس المنتخب ابن الطبقة الوسطى جو بايدن أنها دولة ديمقراطية بامتياز، وأن الدعوات القضائية التي تقدمت بها حملة ترامب لتغيير النتيجة في أكثر من خمس ولايات لإعادة عد الأصوات في هذه الولايات وعددها 42 دعوة لم يقبل 33 منها، مع أن الفارق بين الرجلين يتجاوز الستين عضو في المجمع الانتخابي ف بايدن حصل على 304 أصوات وترامب حصل على 232 صوت وما زال يعتقد أنه الفائز، وفي الكلية الانتخابية أي عدد الأصوات الحقيقي كان بايدن الأكثر شعبية بحصوله على حوالي 80 مليون صوتا، وحصول ترامب على 74 مليون ما يجعل المجتمع الأمريكي معرض للانقسام إذا أصر ترامب الذهاب قُدماً في دعواته القضائية والتعريض بنتيجة الانتخابات.
وما يهمنا في هذا المقام هو قدرة ترامب على شراء قضاة ورؤساء لجان انتخابية وشراء أصوات، ومع هذا فاز بايدن ابن الموظف البسيط الذي انتقل من بنسلفانيا إلى ولاية ديلاوير مع عائلته ليمثلها لاحقا كسيناتور في مجلس الشيوخ، وقد فاز بالولايتين مسقط الرأس والإقامة في الانتخابات، بينما يسكن ترامب في ولاية نيويورك وانتقل لاحقاً إلى ولاية فلوريدا «بالم بيتش» إذ كان على خلاف مع عمدة نيويورك بيل دي بلاسبو ومع حاكم الولاية أندرو كويمو وكليهما ديموقراطيين، ولاحقا خسر ترامب نيويورك ولكنه ربح فلوريدا بفارق بسيط، ووقف ترامب خلف الرجل الأبيض، بينما كان خطاب بايدن وكأي ليبرالي في الولايات المتحدة مع حقوق الأقليات وأمتدح بايدن الجالية الإسلامية والجالية اليهودية وكان قريبا إلى السود، وترامب لم يفز بولاية أخرى رغم كل الإرث الذي رافقه لأنه لم يخرج من قصره العاجي ويلامس حياة الناس وانعكس ذلك على نتيجته.
لقد احتفظ المجتمع الأمريكي بتعدده العرقي والذكاء الجمعي وقيم المهاجرين الذي كانوا الأميز في شعوبهم، وجاءوا بأحفاد حافظوا على قيم العدالة والديموقراطية ولم يسمحوا لترامب بالعودة فترة أخرى، وقد أساء لعلاقاتهم مع دول شكلت لمعظمهم أساسا لمواطنتهم الأولى في أوروبا وأفريقيا وآسيا. ولذلك فاز بايدن وكان واثقا بالفوز لأنه يعلم أنه ينتمي لقيم المجتمع المتعدد والذي لن يخذله، ولن يبيع الناس المعدمون والهوملس والبويبلو والآمش والجاليات العربية والاسلامية الذين كان لهم دورا كبيرا في قلب نتيجة ميتشغان، وأخذ 16 من مجمعها الانتخابي وإضافته لبايدن، بينما وقفت ولايات مرجحة إلى جانب بايدن وقيمه الليبرالية وشخصيته الهادئة المتزنة.
إن فوز بايدن وقبله أوباما من الحزب الديموقراطي يؤكد انحيازا تأرجح من المحافظين «الجمهوريين» إلى الليبراليين «الديموقراطيين» وعودة علاقات دافئة مع أوروبا، والحفاظ على علاقات متوازنة مع العرب والصهيونية، هذا وأكثر المعاهدات التي أفضت إلى عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى فلسطين والبدء بتأسيس الدولة الفلسطينية كانت خلال حكم الديموقراطي (بيل كلينتون). بعد أن قام الجمهوري بوش الابن بتجميدها بعد رفض الرئيس المرحوم ياسر عرفات تقديم تنازلات إزاء القدس واللاجئين، وتبعه بعد ذلك غضبة عربية وإسلامية أدت إلى معاداة الولايات المتحدة والتداعيات التي رافقتها، وكانت ذروتها أحداث برج التجارة العالمي، وظهور إرهاب برعاية دولية لزعزعة المنطقة، وما حصل في العراق وسوريا والربيع العربي إلا نتاج المحافظين الجدد برعاية الريغانية، وما تبعها خلال حكم بوش الأب الذي دمر الجيش العراقي، وبوش الابن الذي احتل بغداد وأشرف على إعدام الرئيس صدام حسين، والجمهوري الأخير كان ترامب الذي تجرأ على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل والطلب من العرب بل وإجبارهم على القبول بخطة ترامب والمعروفة بخطة القرن، والتي ترى أن الحل يكون بوجود دولة يهودية وتهجير العرب منها بشكل مرحلي.