كيسنجر «يُحذر» بايدن.. «ناصحاً»

اخبار البلد ـ عاد ثعلب السياسة الأميركية المُعجب حدود الوَلَهَ والعشق بشخصية السياسي النمساوي مترنيخ، أحد أهم الشخصيات السياسية العالمية في القرن التاسع عشر, والمُتبني بلا تحفظ مبدأ رفض التغيير والمُحافظة على توازن القوى في أوروبا.. عاد كيسنجر (الألماني الأصل والمولد) مرة أخرى, إلى الأضواء الذي لم تغادره يوماً وهو ابن الـ«97»، مُحذِراً/ناصحاً الرئيس المُنتخب بايدن, مغبة اتباع السياسة التصادمية التي انتهجها الرئيس المهزوم ترمب تجاه الصين تحديداً, مكرراً ما كان حذَّر منه قبل شهر, من أن «كارثة مماثلة للحرب العالمية الأولى،ستحل على العالم ما لم تتحرّك إدارة بايدن القادمة, بأسرع وقت ممكن لإعادة خطوط الاتصال مع الصين. لأن بديل عدم التحرّك – والقول لأحد أبرز دبلوماسيّي وساسة القرن العشرين – هو المخاطرة بأزمة قد تتصاعد الى صراع عسكري»، ما يعني أنه إذا لم يكن هناك أساس للتعاون بين واشنطن وبيجين, فإن العالم سينزلق إلى كارثة مماثلة للحرب العالمية الأولى.
 
وإذ يعرف كيسنجر وكل من تابع وقائع المعركة الرئاسية والتصريحات التي أطلقها ترمب وبايدن وخاصة الأخير, عندما سُئل في مَنْ يراه العدو «الأخطر» لأميركا..الصين أم روسيا؟ فإنه (بايدن) سارع للقول:روسيا, أمَّا ترمب فواصل التصويب على الصين. لكن ذلك لا يعني أن بايدن سيكون أقل عدوانية تجاه بيجين, وإن كان سيسعى إلى طرح مقاربة أخرى, تختلف في الشكل وليس الجوهر, عن طروحات ترمب الهستيرية التي تفتقد أبسط القواعد الناظمة للتبادلات التجارية التي ارستها منظمة التجارة العالمية, والتي احتكرت واشنطن وضع قوانيها وتحكّمت في عضويتها, ومارست أبشع الضغوط لإلزام دول عديدة (ومنها الصين) بشروط تعجيزية، وعندما أخذت الدول الناشئة (تسمية بديلة للدول النامية) وفي مقدمتها الصين, لم تجد واشنطن ترمب سوى التلويح بالانسحاب من المنظمة وان كانت لم تنفذ تهديدها.
 
كيسنجر «الجمهوري» لم يبخل على بايدن «الديمقراطي» بالنصيحة, التي هي مثابة تحذير في ظل «التقنيات العسكرية المتاحة حالياً، والتي ستجعل السيطرة على مواجهة عسكرية تندلع مع الصين، أكثر صعوبة من تلك التي كانت في العصور السابقة»، كما قال لافتاً إلى «أن أميركا والصين تنجرفان الآن بشكل متزايد نحو المواجهة»، إذ هما تمارسان دبلوماسيتهما بطريقة «المواجَهة» والخطر (يضيف صاحب أكبر اختراق سياسي ودبلوماسي في القرن العشرين, عندما مهَّد لزيارة رئيسه نيكسون للصين عام 1972), «الخطر يكمن في أن تحدث بعض الأزمات, التي ستتجاوز الخطب الرنَّانة إلى صراع عسكري حقيقي».
 
.. لم نسمع والحال هذه مَن خرج في أميركا أو المعجبين بسياسات ترمب المُتهورة, مُتّهماً كيسنجر بالخيانة (على الطريقة العربية), بل رأى معظمهم أنه رغم جمهوريته (بمعنى يمينيته وإنحيازه للرأسمالية المتوحشة والنيوليبرالية المُعولمة) أنما يخدم مصالح «بلده» وأمنها القومي, متجاوزاً الحزبية الضيقة إلى فضاء الحفاظ على تفوّق أميركا، فيما نرى في بلاد العرب المُتخم بأصحاب المناصب والألقاب الفخمة, صمتا في المُلمَّات وعند أزمات متدحرِجة تعصف ببلدانهم, خشية إغضاب أصحاب القرار أو يتصارعون لإطراء سياسات خاطئة جالبة للكوارث والانهيارات.