المسؤولون السابقون والدولة: خطورة التنافس على الشعبوية

اخبار البلد ـ يمكن تفهم حالة الاستياء من المظاهر التي صاحبت إعلان نتائج انتخابات المجلس التاسع عشر في بعض مناطق المملكة وما رافقها من كسر الحظر على ما يشكل من خطورة انتشار الوباء واستخدام الأسلحة بشكل مبالغ فيه، ولكن هذه السلوكيات كانت ترافق كل انتخابات برلمانية سواء من الفائزين أو من لم يتمكن من النجاح، فما الجديد؟
الخروج على القانون والنظام العام أمر لا تقبله الغالبية العظمى من الأردنيين، ويجب ألا يؤخذ ما جرى على أنه نسق حياة دائم ومستمر. وبالتالي كان من المؤسف أن يأتي ما حدث وكأنه المشتهى من غاليات الأماني بالنسبة لمن اعتاد أن يطعن في ظهر الدولة ومؤسساتها ويستهدف مباشرة الحكومة ورئيسها.
من غير المفاجئ أن يصدر مثل هذا التوظيف ممن اختاروا دائماً أن يكونوا على النقيض من الدولة ومشروعها ولا يفوتوا أي حدث مهما كان عارضاً وعابراً إلا ويستغلوه وكأن البلد -لا قدر الله- على وشك الانهيار، المؤسف أن ينضم لتلك الجوقة نفرٌ ليس قليلاً ممن قدموا أنفسهم على أنهم مخزون الدولة السياسي ومنهم رؤساء وزارات ووزراء وموظفون كبار سابقون.
هؤلاء الذين تشكلت قيمتهم ومكانتهم وحضورهم الاجتماعي لأن الدولة كانت تعتقد أنها استثمرت فيهم وصيرتهم في مواقع صنع القرار باعتبارهم الأكفأ والأقدر على مواجهة التحديات؛ ولكن يبدو أن الرغبة في السلطة غيبت عن بعضهم أننا نمر بمرحلة ربما تكون الأخطر عبر مائة عام من التأسيس.
ظاهرة الصالونات السياسية كانت حاضرة في الحياة السياسية الأردنية تاريخياً وجزءاً من ميكانيكية التغيير وتبادل الأدوار، ومن يقرأ مذكرات معظم رؤساء الوزارات والوزراء يدرك ذلك جيداً. ومع ذلك بقيت هذه الصالونات بعيدة عن الاستثمار عندما تعصف التحديات بالبلاد كما هو حاصل في هذه المرحلة التي تواجه فيها الدولة بكل مؤسساتها جائحة كورونا وتقترب رائحة الموت من الجميع.
هكذا ظرف استثنائي يتطلب الابتعاد عن المناكفات التي تجري ويمكن تفهمها في الظروف العادية بين نخب الدولة والابتعاد عن استنساخ العلاقة «الأميبية» مع الدولة المتمثلة في الأخذ دون العطاء كالبكتيريا وحيدة الخلية.
لا تشعر بالمفاجأة عندما تستقبل، عبر وسائل التواصل، تعليقات ناقدة للوضع من مواطنين ومعارضين وتتفهمها في إطار حالة الاشتباك العام في المجتمع، ولكن أن يتحول بعض رؤساء الوزارات السابقين لمنافسة نشطاء التواصل الاجتماعي وجلد الحكومة والتحريض بصورة غير مباشرة، فهذا مثير للصدمة وليس الاستغراب فقط.
من السهل جداً مناقشة هؤلاء وأرشيف أداء حكوماتهم التي جاءت في أوقات الرخاء، ولكنها غادرت بعد أن أورثت البلاد والعباد مديونية كارثية وتركت صورة سلبية لن تنفع أي محاولة لادعاء الحكمة والبطولة بأثر رجعي في تغيير الصورة النمطية عنها. فذاكرة الناس ليست قصيرة.
في الظروف الاستثنائية وفي الدولة التي يؤمن فيها المسؤولون حتى لو كانوا بعيدين عن صنع القرار بأنهم مسؤولون أمام الله ووطنهم وأن القسم لا ينتهي بمجرد مغادرة موقع الرئاسة أو الوزارة بل الأصل أن يتحولوا لمخزون خبرة لإنقاذ البلاد لا أن يتحولوا لمغردين على تويتر لجلد حكومة لم تمض شهراً في إدارة البلاد وتواجه تحديا غير مسبوق.
هذا الكلام ليس مصادرة لحق الناس سواء كانوا مسؤولين أو غير ذلك من التعليق وتوجيه النقد وليس مطلوبا أن يتحول الجميع لمرددين في فرقة إنشاد لمباركة إجراءات أي حكومة. ولكن يستطيع أي مسؤول سابق من العيار الثقيل أن يتواصل مع دوائر صنع القرار قبل طرح انتقاده على الفضاء العام ويتحول لملهم للغاضبين والناقدين.