"سقط" ترمب.. مَنْ يأسفُ عليه؟

اخبار البلد ـ قلّة هي التي ستأسف على مغادرة الرئيس الأميركي الذي يحمل الرقم 45 البيت الأبيض, بعد أن دخله صدفة قادماً من فضاءات بعيدة عن السياسة, مثل تجارة العقارات وتنظيم مسابقات ملكة جمال العالم وخصوصاً تلفزيون الواقع, أعمال وان منحه ثروة وشهرة، لكنها لم تُؤهله لقيادة دولة عظمى مسلحة حتى أسنانها نووياً, وتتوفر على جيوش وامكانات إقتصادية وثروات طبيعية وحدود محمية بالمحيطات وسطوة ونفوذ, جعل منها دولة مؤهلة لقيادة العالم خاصة بعد سقوط الامبراطوريتين القديمتين الفرنسية والبريطانية, وازداد جشع ساستها ووكالات استخباراتها عدوانية وشراسة وتوحّشاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي, فعملت ما وسعها للإبقاء على تفرّدها بقيادة العالم, إلاّ انها استفاقت (بعد ارتكاباتها المُدانة والمشينة من حروب وغزوات ونهب وتغوّل)، على قرن جديد ظن هؤلاء أن قائمة لن تقوم لدولة ما في المعمورة قادرة على تحدّي الولايات المتحدة, التي كانت قد اسهمت – ضمن أمور أخرى - في إسقاط أول دولة اشتراكية في التاريخ وتفكيك منظومة الدول الاشتراكية وخصوصاً حلّ حلف وارسو.
 
مَنْ سيأسف على هزيمة ترمب المُدويَّة, بعد أن أبدى جهلاً وفظاظة وعدوانية وعنصرية صارخةوبث المزيد من الكراهية ضد الججميع وأولهم من يدينون بالإسلام, بل وحصد فشلاً ذريعاً في إدارة دولة بحجم الولايات المتحدة, ولم يستطع إدارة طاقم البيت الأبيض, ولا توفير أجواء ملائمة لحكومته, التي أبقاها على قلق ومارس أسوأ أنواع التدخل في الشؤون الثانوية وتعامل مع وزرائه بعنجهية وإستعلاء, حدود إقالة أبرزهم عبر تغريدة على منصة تويتر كما فعل مع وزير خارجيته تيلرسون, عندما كان الأخير في جولة إفريقية. ثم جاء بأسوأ وزير خارجية عرفته أميركا خلال قرن من الزمان وهو الأفنجيلي مايك بومبيو, الذي لم يَقِلّ فظاظة واستعلاء وكراهية لكل ما هو "غير أبيض" عن رئيسه, الذي أوصله إلى مأزقه الراهن, حيث انتهى بسقوطه وتخلي أقرب المقربين إليه..عنه.
 
كان على رأس هؤلاء نتنياهو صديقه العزيز, الذي لم تصدر عنه كلمة واحدة داعمة لترمب..ترفع من معنوياته وتشدّ من ازره, رغم كل ما قدمه لدولة العدو الصهيوني من خدمات, ترقى في بعض تجلياتها إلى كونها مشاركة ميدانية في جريمة تطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني, عندما منحه ضوءاً أخضر لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة, إضافة إلى اعترافه بالقدس عاصمة للكيان الغاصب, مبدياً إزدراءه لكل ما هو قانون دولي وحقوق إنسان وعدالة.
 
نجح جو بايدن في توصيف مرحلة ترمب بشكل ذكي دون أن يذكر اسمه, عندما تعهّد في "خطاب النصر" بأنه "سيجعل اميركا مُحترمَة من جديد", ما يعني اعتراف الرئيس المُنتخَب بالخراب الذي أحدثه ترمب, وبالصورة الرديئة لبلاده التي حاول فرضها على شعوب العالم, وها هو اليوم يبدو معزولا ومُحبطاً ومهاناً.. لا يجد من يُكاتبه أو يتحدث إليه سوى نتنياهو, الذي شكره ببرود على ما قدمه لإسرائيل من هدايا ودعم على حساب الشعب الفلسطيني, وكان ترمب يرى إسرائيل مِحور العالم ومَركز الكون.