الديمقراطية الأمريكية فى قلب الخطر

أخبار البلد-

كشفت دراسة أوروبية حديثة حقيقة الأزمة التى تتهدد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي بدأت رسمياً امس الاول الثلاثاء، والتي بدأت في الواقع قبل أكثر من أسبوعين سواء عبر التصويت المبكر أو عبر البريد الإلكتروني. الدراسة استقصائية أجراها باحثون ألمان من مؤسسة برتسلمان ستيفتونج في ايلول/ سبتمبر الفائت وشملت 13 ألفاً و808 أشخاص من جميع دول الاتحاد الأوروبي. من أبرز النتائج التى توصلت إليها هذه الدراسة ثلاث نتائج. تقول الأولى إنه إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواجه انتخابات في أوروبا فلن تكون لديه أي فرصة تقريباً وسيحصل على 17% فقط من الأصوات، بينما سيحصل منافسه جو بايدن على نحو 45% من الأصوات. أما النتيجة الثانية فتقول إن نحو 38% من مواطني الاتحاد الأوروبي لن يصوتوا لأي من المرشحين إذا كانوا هم من سيصوتون في هذه الانتخابات الأمريكية، ما يعني أنهم يرون أنه ليس أي من المرشحين جديرا بالفوز رئيساً للولايات المتحدة . وتقول النتيجة الثالثة إن 51% ممن شملتهم الدراسة في أنحاء أوروبا يعتقدون أن هناك فشلاً ديمقراطياً في الولايات المتحدة.

المعنى المباشر لهذه النتائج أن الديمقراطية الأمريكية باتت في أزمة حقيقية، وأن المجتمع الأمريكي، وليس فقط النظام السياسي الحاكم يعاني انقسامات حادة في الرؤى والأهداف والمصالح سواء على المستوى الطبقي (أغنياء وفقراء) أو على المستوى العرقي (البيض والملونون من أصول أفريقية أو لاتينية أو آسيوية)، أو على المستوى الديني (المسيحيون والمسلمون) أو على المستوى الطائفي (كاثوليكي مسيحي أو بروتستانتي مسيحي)، وما توصلت إليه الدراسة الأمريكية هو مجرد قراءة لعناوين هذه الانقسامات التي يمكن أن تنفجر بعنف فى حال تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته بأنه «لن يسلم السلطة في حال خسارته للانتخابات»، وإعلانه أنه «لن يخسر الانتخابات إلا فى حال وقوع تزوير واسع النطاق»، ثم تشكيكه في نزاهة التصويت عبر البريد الإلكتروني وإعلانه بعدها أن «زيادة التصويت عبر البريد ستؤدي إلى زيادة التزوير»، وأخيراً تلويحه «باللجوء إلى القضاء، والمحكمة الاتحادية العليا على وجه التحديد، لحسم أي خلاف فعلي أو مفتعل يمكن أن تشهده الانتخابات ». الملاحظ أن ترامب لم يلجأ إلى هذا التهديد الأخير باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا إلا بعد نجاحه في تمرير مرشحته لعضوية هذه المحكمة إيمي كوني باريت بالكونجرس. فالأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ دعمت هذا الاختيار وكسرت كل التقاليد المتعارف عليها بعدم تعيين أي قاض جديد بالمحكمة الاتحادية العليا خلال سنة انتخابات ديمقراطية. كان الديمقراطيون يطالبون بتأجيل بت مجلس الشيوخ في هذا التعيين لحين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس بمجلسيه، التي تتزامن مع الانتخابات الرئاسية على أمل أن يفوز مرشحهم للرئاسة جو بايدن ويلغي قرار ترامب بترشيح هذه القاضية، وعلى أمل الحصول على الأغلبية في مجلس الشيوخ ومن ثم التمكن من ترشيح قاضية أخرى بديلة تنتمي إلى التيار الليبرالي خلفاً لعضوية القاضية الليبرالية الراحلة روث بيدر جينسبرج، خصوصاً أن نجاح ترامب في تثبيت عضوية مرشحته إيمي كوني باريت سيعطي أغلبية 6 ـ3 للجمهوريين في هذه المحكمة على حساب الديمقراطيين. نجاح ترامب في تثبيت تعيين هذه القاضية اعتمادا على الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ يعنى أنه يعد نفسه من الآن للطعن في نتيجة الانتخابات إذا لم تكن لمصلحته ، وأنه سيعتمد على المحكمة الاتحادية العليا التي سيحال إليها الطعن في دعم موقفه، قبل أن يلجأ إلى آخر أسلحته وبالتحديد التحريض على إفشال نتائج الانتخابات عبر تفجير أعمال شغب دامية من شأنها أن تفشل الانتخابات حسب تصوره. القلق حول ما سيحدث عقب الانتهاء من عملية الانتخابات والبدء في إحصاء النتائج، وسط مؤشرات تؤكد فوزا محققاً للمرشح الديمقراطي وخسارة مؤكدة للرئيس ترامب، وصل إلى درجة تحذير الخبراء ليس فقط من حدوث صدامات، حتماً ستكون دامية، ولكن أيضاً من تطور هذه الصدامات إلى مستوى «الحرب الأهلية». من هؤلاء، على سبيل المثال، برايان ميخائيل جينكينز كبير مستشاري « مؤسسة راند » البحثية. في مساهمته بالتقرير الذي أعدته هذه المؤسسة، بمشاركة جمع من الخبراء والباحثين، حول «المخاطر التى تتهدد الولايات المتحدة في ظل تحديات الانتخابات ». فقد أكد جينكينز أن «الولايات المتحدة تعاني انقساما عميقا في الوقت الحالي وأن النظام السياسي في حالة استقطاب» وأشار إلى «أن جهوداً تبذل، عبر الرسائل، بهدف نزع شرعية الانتخابات من أبرزها رفض الرئيس ترامب إعلان إلتزامه بقبول نتائج الانتخابات »، كما أشار إلى حديث أحد المسئولين، عبر التواصل الاجتماعي، عن شراء ذخيرة والاستعداد للعنف» واختتم هذه المداخلة بالتحذير من خطر نشوب «حرب أهلية».

هذا الحديث عن الحرب الأهلية أخذ يتصاعد، وربما يتحول إلى واقع مؤلم خلال الأيام والأسابيع القادمة وسط تحذيرات من اشتباكات مسلحة قد تتطور إلى ما هو أسوأ كمحصلة صراع موازين القوى الراهنة بين طرفي الانتخابات الرئاسية، وامتدادهما في المؤسسة الحاكمة بكل تشعباتها، وفي ظل حالة استقطاب حاد تهز أركان النظام السياسي برمته، وسط أنباء تؤكد انخراط الحزبين الجمهوري والديمقراطي في تهيئة الاستعدادات للتوجه إلى المحكمة العليا كل من وجهة نظره، جنباً إلى جنب مع انخراط أطراف بعينها في شراء الذخيرة وتخزينها «استعداداً لأعمال عنف» تعقب الإعلان عن النتائج . يفاقم من هذا الخطر انتشار واسع ومنظم لمجموعات مدربة ومسلحة، بعضها بأسلحة ميدانية مدرعة. المخاطر تتفاقم أكثر في ظل وجود إجماع لدى الأطراف المتنافسة على عدم قدرة أي طرف على «التحكم» بتصرف أنصاره .

هل يمكن أن تكون هذه الانتخابات بأحداثها المؤلمة الدامية المتوقعة مدخلاً للتساؤل عن ماذا بقي من الديمقراطية الأمريكية، وتجديد طرح تساؤلات مهمة حول مدى رجاحة نظام «الديمقراطية النيابية» عبر «آلية الانتخابات » للتعبير، أو بالأدق، لتحقيق المقاصد الحقيقية للديمقراطية؟ربما يتجاوز الخطر مثل هذه الأسئلة النظرية إذا تطورت الأحداث إلى حرب أهلية تطرح خيار التفكيك والتقسيم للولايات المتحدة التي باتت تطارد بأشباح نبوءات الفيلسوف الأمريكي «إليفين توفلر» بخصوص وجود فرص لحدوث تفكك للولايات المتحدة على النحو الذي سبق أن حدث في الاتحاد السوفيتي .