أمريكا تختار.. بين العقلانية والجنون

اخبار البلد-

 

العالم كله يحبس انفاسه بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية التي تجري اليوم وسط استقطاب حاد. وتوقعاتنا تذهب مع استطلاعات الرأي التي ترجح بايدن فلا نكاد نصدق ان أمريكا يمكن ان تعيد انتخاب ترامب. صحيح انها انتخبته المرة الماضية رغم ان استطلاعات الرأي كانت ترجح السيدة كلينتون. لكن الآن بين يدي الجمهور الذي غامر بانتخاب رجل نصف مجنون تجربة 4 سنوات بينت ان موقع الرئاسة لم يهذب الرجل كما كان يتوقع كثيرون. وسيكون من الجنون تفويضه بولاية جديدة تنفلت فيها شخصيته الشاذة من اي قيود ما دام لن يعاد لولاية ثالثة.

لعل النظام الانتخابي ساهم في تخطئة استطلاعات الانتخابات الماضية فقد حصلت كلينتون بالفعل على اغلبية اصوات الناخبين بفارق يقارب 3 ملايين صوت لكن الرئيس لا ينتخب مباشرة من عموم الناخبين بل من ممثلي الولايات (المجمع الانتخابي) وهم يكونون جميعا في كل ولاية من حصة الحزب الذي يحصل على الأغلبية ولو بفارق صوت واحد. يضاف ذلك الى ظاهرة اخرى غير مألوفة حصلت المرة الماضية وهي عدم تصريح جزء من الناخبين عن نواياهم الحقيقية فجزء من الناخبين المحافظين أو المتدينين الذين ارادوا الانتقام من أوباما وسياسة التضامن الزائد مع الملونيين والأقليات والمهاجرين والفقراء كان يحرجهم التصريح بنية انتخاب شخص له تاريخ فاضح ولا اخلاقي مثل ترامب.

طبعا لا تحدث انقلابات جذرية في السياسة الأمريكية بتبدل الرؤوساء بين ديمقراطيين وجمهوريين وخصوصا في السياسة الخارجية لكن هذه المرة فالخيار هو بين العقلانية والجنون بين مواقف شخصية وعشوائية ومتطرفة ومتناقضة ومواقف مؤسسية ومنطقية ومفهومة يمكن توقعها. وبايدن ليس بالشخصية الجذّابة والحيوية لكن العالم وأمريكا بحاجة لاستعادة بعض العقلانية والالتزام بالتوافقات ومراعاة المصالح الكونية المشتركة مثلا في قضايا كالبيئة والطاقة.

كان قد اصبح من المألوف اعادة انتخاب الرئيس الموجود لولاية ثانية لكن انتخاب ترامب نفسه كان حادثة شاذة اذ نجح في ان ينافس على ترشيح الحزب الجمهوري وهو لم يكن سياسيا جمهوريا ولا يملك اي تاريخ في المسؤولية العامة وادار بطريقة شخصية وارتجالية أهم منصب في العالم واصبح مشكلة لجميع الدول والحلفاء قبل الخصوم – ربما بإستثناء بعض العرب – وأختلف مع كل من حوله ولم يصمد أحد معه من وزير الدفاع الى الخارجية الى كبار مساعديه في البيت الأبيض وبدلهم اكثر من مرّة وتشاجر مع الصحفيين واتهمهم في كل لقاء. أما في السنة الأخيرة مع كورنا فقد كان في كل لقاء بقول كلاما يحرج من حوله وخصوصا اصحاب الشأن في الوباء وكل تغريده كانت «تفحيطه» لا يقع بها عاقل وخذ مثلا اقتراح حقن المصابين بالكلور والمبيدات. وأمس وعد الناخبين أن يطرد فاوتشي مسؤول الأوبئة وملف كورنا لأنه يعارض آراءه الشاذة بشأن الوباء.

الدراسات والاستطلاعات الأخيرة على مستوى كل ولاية تظهر فرقا واسعا لصالح بايدن أما الولايات المتأرجحة كما تسمى فهناك ترجيح لصالح بايدن في بعضها وهو يحتاج الى عدد اقل بكثير مما يحتاجه ترامب لضمان الاغلبية ( 270 ممثلا ) من اصل 538 شخصا هم اعضاء المجمع الانتخابي. وسيكون هناك استطلاع اخير اليوم على مخارج مراكز الاقتراع سيعطي الخبر اليقين عن النتيجة اذا كان الفارق واسعا لصالح بايدن، لأن نفس الاستطلاع في المرة الماضية هو ايضا رجح كلينتون لكن بفارق ضيق.