سؤال يؤرق عمان: هل تخلى الأمريكيون عن النظام؟


بسام بدارين - يقف مسؤول اوروبي من وزن مساعد وزير الخارجية الهولندي هيرمان كرليس على مسافة قريبة جدا من الهم الاردني المحلي وهو يطرح اسئلة على هامش وقفته الاخيرة في عمان تتعلق حصريا بهوامش المناورة والتغيير التي يمتلكها رئيس الوزراء الجديد القادم من لاهاي مؤخرا الدكتور عون الخصاونة.
اذا كان مسؤول هولندي بهذه الدرجة يتابع تفاصيل المشهد الاردني الداخلي في سياق المشهد الاقليمي المفتوح على كل الاحتمالات فما الذي يمكن استنتاجه عمليا من متابعات مماثلة لمسؤولين اكثرأهمية في اوروبا وفي الولايات المتحدة؟.
السؤال الأخير تتجنبه تماما الماكينة الرسمية الاردنية وعدد محدود جدا من نشطاء وقادة حراك الشارع يطرحونه في اجتماعاتهم المغلقة لكن في منطقة القرار الاعمق وسط عمان يبدو موقف الغرب عموما والامريكيين خصوصا المسألة الأكثر أهمية والنقطة المحركة لقرون الاستشعار واحزمة ماكينة النظام السياسي الاردني.
كما يبدو السؤال نفسه بلا إجابة واضحة حتى الآن داخل غرف القرار الأردنية المغلقة وهنا تكمن الاشكالية التي يعتبرها سياسيون مخضرمون مساحة التحدي الأساسية أمام النظام الأردني على اعتبار ان حراك الأطراف والعشائر والنسخة الأردنية من الربيع العربي لا تملك نفس المكانة والقوة في التاثير بمجريات المستقبل خصوصا وان رموز النظام يسترسلون في الاعتراف بوجود اشكالية مع الداخل وضبابية في موقف الخارج تعبر عن نفسها في التصعيدات والتحرشات الإسرائيلية التي تقترح المملكة وطنا بديلا للفلسطينيين.
هنا حصريا يستعرض خبراء الحكم فيما بينهم ثلاثة مستجدات مقلقة أولها وأبرزها تراجع وضعف الدور الاردني الاقليمي وتبدل معطيات الدور الوظيفي الكلاسيكي الذي كانت عمان تلعبه بالعادة سواء في فلسطين او في العراق او حتى في الخليج العربي.
والمستجد الثاني يتعلق باشارات القلق التي ارتسمت على ملامح السياسيين الاردنيين وهم يقرون بان الزيارة الملكية الاخيرة لواشنطن لم تتضمن اطلاقا استقبالا يعتد به لأي مسؤول امريكي رفيع المستوى فيما يعبر ميكانيزم التعاطي الأمني الاردني مع اعتصامات وحراكات الشارع عن المستجد الثالث حيث فهم صناع القرار وبوضوح شديد بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك بأن الاجهزة الامنية الاردنية ليست محظية دون غيرها ولا يمكنها قمع اعتصامات الشارع وحريات التعبير مهما بلغت ذروتها.
لذلك قدمت الشرطة للمسيرات التي بدأت في شهر شباط/فبراير الماضي تحت عنوان المطالبة بالاصلاح الدستوري والتحقيق بالفساد العصائر والمياه للمعتصمين في الشوارع قبل ان تضغط مظاهر الحراك ماليا وأمنيا على الدولة وأجهزتها مما إضطر السلطات المحلية حسب بعض القراءات لاستنساخ ظاهرة البلطجية حتى يتم التخفيف من الاعتصامات دون دفع كلفة وفاتورة القمع الأمني المباشر.
ويبدو أن نشطاء الحراك أدركوا هذه المعطيات مبكرا فاستغلوها جيدا وارهقوا الدولة والشعب بإعتصامات ومسيرات متوالدة ومتتالية وسط انطباعات رسمية بأن الحراك يعرف مسبقا بأنه يحظى بالرعاية الامريكية والفيتو المفروض على الاجهزة الممولة عمليا من واشنطن فيما يتعلق بحظر ومنع القمع.
لكن اللجوء لمجموعات غامضة حملت اسم البلطجية كخيار احتياطي لا بد منه نجم عنه تذخير الحراك ومظاهره بشعارات وهتافات وملفات جديدة بحيث اختلطت دوافع الانتهازية بدواعي العصرنة والتحديث والتغيير فتسبب ترك مهمة التصدي للبلطجية نيابة عن الاجهزة الرسمية بزخم اضافي للحراك وصل الى حد التطاول غير المسبوق في توجيه خطابات وهتافات مباشرة للقصر الملكي هذه المرة وبصورة غير مسبوقة.
وذلك لا يعني في اطار التحليل والاستنتاج الا أن حالة الارتباك في مستوى صناعة القرار الواضحة مردها في الواقع مواجهة طوارىء لم تختبر سابقا حيث يتحرك في الاتجاهات المعاكسة لبوصلة النظام نشطاء حلفاء بالداخل وبنفس الوقت تغيرت المعطيات في نظرة الخارج للمنطقة وللاردن والاهم للدور والوظيفة.
قبل ذلك يقول سياسي رفيع المستوى: اختبر النظام حالة تعاكس مع خيارات الخارج في حرب الخليج الاولى لكنه عبر الازمة رغم الكلفة الخارجية الهائلة بعدما توحد مع الداخل والشعب في التضامن مع عراق صدام حسين، وفي حالة موازية باحداث عام 1970 برزت مشكلة كبيرة في الداخل لكن الخارج برمته كان مع النظام.
اذا وفي الاستخلاص النهائي يمكن ألتحدث عن مأزق يواجهه النظام لاول مرة تقريبا فقوى الخارج لا تبدو متمسكة ببقاء الغطاء، وقوى الداخل تتحرك وتحاول تحقيق مكاسب مرة بصفة فردية واخرى بصفة جماعية وثالثة تحت عنوان انتهازي في بعض الحالات ورابعة تحت المظلة الاكثر جذبا وهي تقليد الربيع العربي.
عمليا لا يوجد تفسير للكثير من القرارات المتخبطة والمترددة التي رصدها المواطن الاردني مؤخرا الا في سياق المعادلة سالفة الذكر سواء عندما تعلق الامر بالطريقة التي انتجت فيها التعديلات الدستورية الاخيرة او عندما تعلق بالمناصب والمواقع التي توزع على ممثلي العشائر بالجملة بهدف احتواء غضبها أو أخيرا عندما تعلق بتغيير ثلاث حكومات دفعة واحدة باقل من ثمانية اشهر وبتجريب وصفات متعددة ومتنوعة لنخب عسكرية او دولية او حقوقية على أمل ايجاد وصفة الاطمئنان