هذا هو الراحل "روبرت فيسك"

اخبار البلد-

 
رحل بعدما أُصيب بما يُشتبه "سكتة دماغية" في منزله في العاصمة الأيرلندية دبلن.

نعاه الرئيس الأيرلندي مايكل دي هيغينز، وعبر عن "الحزن الشديد" لوفاته. وقال في بيان: "بوفاته، فقد عالم الصحافة والتحليل الصحفي لشؤون الشرق الأوسط أحد أفضل المعلقين".

حاز جوائز دولية عدة، وعدة انتصارات في جوائز الصحافة البريطانية. وتسابقت كبرى الجامعات العالمية لمنحه شهادات دكتوراة فخرية.

أثار الجدل بسبب انتقاداته اللاذعة للولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي والسياسات الخارجية للدول الغربية والأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط.

وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بأنه "ربما أشهر مراسل للشؤون الخارجية في بريطانيا"، بعد تغطيته الحروب في البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصحف بريطانية على مدى خمسة عقود.

ولد روبرت فيسك في مقاطعة كنت البريطانية عام 1946، وحصل فيما بعد على الجنسية الأيرلندية، ودرس في "جامعة لانكستر". كما حصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية من كلية "ترينيتي" في دبلن عام 1983.

بعد أن بدأ حياته المهنية في صحيفة "صنداي إكسبرس" انتقل إلى بلفاست عام 1972 لتغطية الأحداث هناك بصفته مراسل شؤون أيرلندا الشمالية في صحيفة "التايمز". وكتب حول ثورة القرنفل في البرتغال 1974، ثم عام 1976 أصبح مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط.

خلال إقامته في العاصمة اللبنانية بيروت كتب عن الحرب الأهلية في البلاد، والثورة الإيرانية عام 1979، والحرب السوفيتية في أفغانستان، والحرب الإيرانية العراقية. والصراع العربي الإسرائيلي، وحرب الخليج، وحرب كوسوفو، وأحداث الجزائر في التسعينيات، وحرب البوسنة، والتدخل الدولي في أفغانستان، وغزو العراق، والربيع العربي عام 2011، والحرب الأهلية السورية المستمرة.

استقال من صحيفة "تايمز" عام 1989 بعد خلاف مع المالك روبرت مردوخ، وانتقل إلى صحيفة "الإندبندنت" حيث عمل لبقية حياته المهنية.

أجرى في التسعينيات ثلاث مقابلات مع زعيم "تنظيم القاعدة" آنذاك أسامة بن لادن. وفي أول مقابلة بينهما عام 1993، وصف بن لادن بأنه "رجل خجول"، ويبدو "تمامًا مثل محارب الجبال في أسطورة المجاهدين".

بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أمضى فيسك العقدين التاليين في تغطية الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك أفغانستان والعراق وسوريا. وبصفته متحدثا باللغة العربية ومراسلًا متمرسًا، حظي بتقدير كبير لمعرفته بالمنطقة وخبرته فيها.

لكن فيسك تعرض في السنوات الأخيرة لانتقادات بسبب تغطيته للحرب الأهلية السورية، حيث جاءت تغطياته لها وكأنه يمسك العصا من منتصفها، واعتمد فيها على علاقاته مع بشار الأسد. رغم أنه كتب ذات يوم يقول: "إن الجلوس بين جنود بشار الأسد تجربة مخيفة دائمًا!".

ولا يخفي "فيسك" إعجابه بالصحافيين الإسرائيليين المدافعين عن حقوق الفلسطينيين مثل: عميرة هاس، وجدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" العبرية.

خلال غزو العراق عام 2003 كان مقر فيسك في بغداد، وقدم العديد من تقارير شهود العيان، وانتقد صحفيين آخرين مقيمين في العراق بسبب ما يسميه "الصحافة الفندقية"، وهم يكتبون تقاريرهم من غرفة الفندق دون مقابلات أو تجربة مباشرة للأحداث.

وفي كتابه "الحرب العظمى من أجل الحضارة - غزو الشرق الأوسط" عام 2005 الذي صدر بثلاثة مجلدات كتب عن تاريخ المنطقة، وعن العديد من الصراعات التي قام بتغطيتها خلال مسيرته الصحفية، منتقدًا سياسات الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل".

صدرت له عدة كتب من بينها: أطروحته للدكتوراة عن "حياد إيرلندا" خلال الحرب العالمية الثانية، و"ويلات وطن" وهو كتاب عن لبنان الذي عاش فيسك فيه مدة طويلة من حياته. ثم "حكاية ثورة- الدم المستباح " لقناة الجزيرة.

وذات يوم كتب فيسك حول "صفقة القرن" يقول: "هل يعتقد جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حقًّا أنه وبعد ثلاث حروب عربية إسرائيلية، وملايين القتلى واللاجئين، أن الفلسطينيين سيقبلون بمشروعه مقابل المال؟!!".

واستمر فيسك في تساؤلاته: "بعد أوسلو، وحل الدولتين، وسنوات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقتين "أ، ج" لتحديد أي نوع من الاحتلال يجب أن يخضع له الفلسطينيون، وبعد اغتصاب اليهود مساحات واسعة من أراضي العرب، والقتل الجماعي في غزة، وقرار ترامب بأن القدس كلها يجب أن تكون عاصمة إسرائيل، هل نأتي للفلسطينيين ونطلب منهم القبول بالمال والعيش البائس؟! وفي قرية عاصمة لهم؟ ألا تستحون!!!".

يضيف: "سيُقال للفلسطينيين إنها نهاية اللعبة، العرض الأخير، خذوه أو اتركوه، إلى الجحيم. لا إنهاء للاحتلال، ولا أمن، ولا جيش، ولا حدود مستقلة، ولا وحدة، ولا عودة، مقابل كميات ضخمة من المال، مليارات من الدولار واليورو، وملايين الإسترليني، و"زليونات" الريالات والدنانير والشيكلات".

"ألا يعي ولي العهد كوشنر أنه واهم؟ ألم يلاحظ أن الفلسطينيين الذين احتجوا وعانوا وماتوا وفقدوا أراضيهم سبعين عاما لم ينظموا احتجاجا واحدا للمطالبة بشوارع أفضل ومناطق للتجارة الحرة؟ أو مطار آخر؟ أيعتقد كوشنر أن أهالي غزة سيّروا مسيراتهم إلى الأسوار الحدودية القاتلة للمطالبة بعيادات لرعاية الحوامل؟!!".

"كيف حُق لكوشنر أن يهين الشعب العربي كله بإشارته إلى أن حرية الشعب الفلسطيني وسيادته واستقلاله وكرامته وحقه في العدالة، وفي الحصول على دولة لا تعدو كونها حجج سياسيين؟ ألا يوجد سقف لهذا الجنون؟!".

كانت مأساة الشعب الفلسطيني في مركز اهتمامه، بالإضافة إلى النفاق الغربي.

وكتب عن الانتفاضات الفلسطينية المتعاقبة، وعن العدوان الإسرائيلي على غزة، وعن مسيرات العودة والمستوطنات، حيث انتقد نفاق الصحافة الغربية، وخشيتها من انتقاد جرائم الاحتلال خوفا من أن يُتهموا بـ"معادة السامية"، ومع ذلك لم يوفر القيادة الفلسطينية من النقد مثل غيرها من القيادات العربية الديكتاتورية.

بقي فيسك على خطه الصحافي والتحريري دون أي تراجع؛ فقد رحل وهو تحت نيران اللوبي المؤيد "إسرائيل" في بريطانيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب نقده الحاد للاحتلال والسياسة الأمريكية.

رحل صاحب مقولة "أتعلمون لِمَ بيوت العرب في غاية النظافة، بينما شوارعهم على النقيض من ذلك؟! السبب أن العرب يشعرون أنهم يملكون بيوتهم، لكنهم لا يشعرون أنهم يملكون أوطانهم".

لقد لخص فيسك مسيرته بنفسه حين قال: "أنا لا أختلق القصص. انتهى"