معرض (أصداء من روما) للأميرة وجدان في المتحف الوطني


محمد جميل خضر - كلمة الحب واسمه، ومفردات الذوبان في الآخر والتماهي فيه «أنت أنا»، والاستناد إلى موروث عربي شرقي صوفي مشرق بالعبق والسحر والانسياب الوجداني الجزيل، تشكل وغيرها، عناوين رئيسية في معرض الأميرة الفنانة وجدان الهاشمي «أصداء من روما» الذي افتتح لها مساء الأربعاء الماضي في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة (المبنى الأول).
المعرض المتواصل هناك حتى مطالع العام 2012 وتحديداً حتى الخامس من شهره الأول، شهر كانون الثاني، يملك بخزفياته الزجاجية الساطعة بألوان من حبق وأحجار كريمة ووضوح شرقي مبين، وبلوحاته المتلاطمة أمواج ألوانها وتشكيلاتها وحروفياتها كأنها كوكب دري يكاد زيته يضيء، خاصية الإبهار البصري الابتدائي، أي التأثير على فاعلية التلقي منذ اللحظة الأولى. وهي خاصية تعمل لصالح مؤثثات المعرض، ودوالّه، ومراميه.
الأميرة الفنانة تستفيد في معرضها الشخصي الجديد الذي يحمل الرقم 30 بعد 29 معرضاً شخصياً و81 معرضاً جماعياً، من انسيابية الحرف العربي، ومطواعيته، وقوته الإبهارية، وانتماءاته الصوفية، وأسراره، ولا محدودية تقبله للتشكيل والتدوير والتحرك بالاتجاهات جميعها. وتشيد من هذا كله وغيره، مدينة أثيرية من الحروف، وتدفق نتائج ذلك على مجمل العمل الفني، وجمالياته، وتحليقه في فضاء المعنى، وفتنة الناموس وشرعته، وبساطة تفاعله الآسرة مع محيطه وعالمه المفترض.
ولأن المرجعية الجوهرية لمعرض الأميرة الفنانة الذي توافد إليه في يومه الأول زهاء 300 فنان وناقد وصديق ومهتم ودبلوماسي وإعلامي، هي التراث وفنونه وقيمه وتبتلاته، فإن (وجدان) لا تنسى التناظر فيه، فتحوله إنْ بفرشاتها في اللوحات، أو بأدواتها في المنحوتات، إلى قيمة ودلالة وإضافة جمالية مركزية. وتحدق عبر أعمال عديدة من بين 88 عملاً قدمتها لمعرضها «أصداء من روما» الذي سبقه معرض شخصي لها العام الماضي أقامته في متحف روما، بروعة هذا التناظر ومنتوجه الجمالي الوجداني المنحاز لجهة الروح وأنوائها وأثيريتها.
يمكن تقسيم المعرض الذي يشكّل نتاج الفنانة خلال خمس سنوات أمضتها في إيطاليا سفيـرة للأردن، إلى ثلاث مجموعات كلها ضمن المدرسة الخطية في الفن العربي المعاصر: المجموعة الأولى إنشاءات فراغية وهي عبارة عن معلقات ورقية، نفذت بأحجام ومواد مختلفة على أوراق متنوعة كورق الأرز الصيني والحرير الياباني والقطن الهندي، وضمت هذه المعلقات ألواناً وأشكالاً خطية وكلمات وعبارات مكررة تذكرنا بالذكر عند المتصوفين، والثانية لوحات نفذت على الورق بأحجام مختلفة استخدمت فيها الحبر والجواش والألوان المائية وبضربات فرشاة عريضة، وأخرى نفذت على أوراق مطبوعة وكولاج من مخطوطات قديمة، مجمل هذه الأعمال المتنوعة في أحجامها وتقنياتها تحمل خطوطاً وكلمات تمجد الحب والانصهار في الآخر. أما المجموعة الثالثة فهي منحوتات من زجاج «المورانو» منفذة بألوان متعددة لأشكال خطية تعرف بالمثنى أو المرآة، تتغنى بالحب وتجلياته وتركز على الضوء والشفافية والنقاء والصفاء الروحي.
تقول الفنانة عن معرضها: «تميل أعمالي الفنية إلى ما أعتقد أنها الخصائص والمعطيات الاساسية للفن الاسلامي التي ترتكز على الترجمة الروحانية للحياة, فأهمية الكلمة المنزلة في القرآن الكريم وانتشارها عبر العالم الاسلامي من خلال الكتابة، جعلت من المدرسة الخطية في الفن الاسلامي المعاصر أحد أهم الاساليب التعبيرية للفنان العربي المعاصر، الذي وجد فيه قيماً جمالية يلتزم بها دون ان يكون خطاطا ممتهناً, فمن خلال هذا الأسلوب استطاع الفنان أن يتواصل مع جذوره الحضارية مستفيدا من تدريبه على التقنيات الفنية الغربية».
مدير عام المتحف الوطني الاردني للفنون الجميلة الفنان د. خالد خريس يقدم الفنانة في دليل المعرض قائلاً: «وجدان فنانة يكللها التواضع والإيثار، تعشق الفن كما تعشق وطنها، بحثت وما تزال في تراثنا بعين الفنانة المنفتحة على كل جديد، تفرد شراعها في محيط الفن وتغوص في أعماقه باحثة عن كنوزه فتخرج لنا كل مرة بشيء جديد».
ويزيد «إن السنوات التي أمضتها وجدان في روما، بلد التاريخ والحضارة والفن بمختلف أشكاله وتجلياته، هي سنوات أبدعت فيها فناً، اعتبره نقلة نوعية في مسيرتها الفنية من خلال ما انتجته من أعمال فنية متنوعة في موادها وتقنياتها وأنواعها، إنها رسائل في الفكر والحرية والحب والتصوف، ولم تكن هذه النقلة تنحصر في الشكل فحسب وإنما تعدته الى المستويات اللونية والتقنية والوجدانية والفكرية كافة».
أستاذة فلسفة القانون في الجامعة الكاثوليكية في إيطاليا د. كريستينا بينتو تقول عن تجربة الفنانة وجدان: «تتميز أعمال وجدان الهاشمي بالترتيب المتريث لمساحات لونية ناصعة متفاوتة الأحجام تضفي على اللوحة تناغماً معمارياً، وتبتكر سيمفونية بصرية ذات موجات صوتية تعيد الى الخاطر فرضيات كاندنسكي في نظريته عن الألوان».
وتختم قائلة: «إن التعبير في الفن الاسلامي والفنون الغربية ذو مرجعية واحدة هي البشرية جمعاء وليس المجموعات المتفرقة، ويتضح التزام الفنانة وجدان بالتقاليد الجمالية الإسلامية لمدارس الخطوط التي تنبثق من الخط العربي، التي ينشطر فيها الحرف من وظيفته اللغوية إلى شكله الجمالي البحت، من مجرد أداة الى تعبير ممتع».
وجدان فنانة متفرغة ومؤرخة فن وأكاديمية ودبلوماسية، أعمالها ضمن مقتنيات متاحف عديدة منها المتحف البريطاني ومتحف أشموليان بالمملكة المتحدة، والمتحف العالمي لفنون القرن العشرين، والمتحف الوطني لفنون المرأة، ومكتبة كلينتون بالولايات المتحدة، ومتحف فور فولكينكوند في هولندا، والمتحف العربي في قطر، والمتحف الوطني في إسلام أباد، إضافة إلى المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة بعّمان