(المسلسل التلفازي) اكتشاف مأخوذ عن العرب

(المسلسل التلفازي) اكتشاف مأخوذ عن العرب

أحمد الربابعة

بلغني يا مملكة هوليود، ذات المجد الممدود ... أن بعض فنكم من قبل موجود ... وأن فتاة عند العرب أسمها شهر زاد ... أوجدت المسلسل في كل البلاد !

للمسلسل التلفازي/ التلفزيوني، مذاق خاص بالنسبة للجمهور ومتابعي التمثيل، فبالرغم من أهمية الأعمال الفنية الاخرى وتميزها كالأفلام والمسرحيات والتمثيليات وغيرهما، إلا أنه يضل للمسلسل التلفازي قيمة مختلفة لا تتواجد في عمل فني آخر.

ويبرز سر هذا المذاق أو هذه النكهة للمسلسل التلفازي، في عدم إظهار كل أحداث القصة في وقت واحد أو حلقة واحدة كالفلم، وإنما تقسيم القصة وأحداثها إلى عدة حلقات، وإبقاء المشاهد في شوق مستمر لأحداث الحلقة التالية التي لم يعرفها في الحلقة التي شاهدها. مثلما تظهر أهميته أيضاً في تسليط الضوء بشكل أكبر على شخوص القصة وعلى الأحداث والأمكنة التي جرت فيها.

وبالتأكيد أن المسلسل التلفازي وغيره من الأعمال الفنية، هو اكتشاف غربي ومن ثم راج في أنحاء العالم؛ وكذلك هي أيضاً القصة أو الرواية التي تمثل مادة ذلك المسلسل؛ لكن بمراجعتنا لأدبنا وفننا العربي، سنجد أن المسلسل التلفازي أساساً تم تطويره عن اكتشاف عربي، وفكرته الأساسية مأخوذة من فكرة وأسلوب قصة عربية شهيرة ! ... هي قصة (ألف ليلة وليلة)؟

فعند قراءتنا لكتاب (ألف ليلة وليلة)، سنجد وبوضوح أن قصص ذلك الكتاب هي عبارة عن حلقات مسلسل مكتوبة، لكن ظروف الزمن الذي وجدت به، أو بعده بفترة، لم تتح لها أن تظهر على شاشة تلفازية أو سينمائية، فظهرت عند الحكواتي، وعلى صفحات الكتب، وألسن الناس.

أما (شهر زاد) فيمكن اعتبارها أول مخرجة تلفازية وسينمائية في العالم، ولكن من دون هوليود، ومن دون دار سينما تعرض إبداعها، وإنما من خلال اسلوبها الذي أنقذها من موت محتوم، كان مصير لعشرات النساء قبلها، ولتؤسس لعمل فني وتمثيلي، لم تعلم أنه سيلهم المخرجين والفنانين من بعدها.

فالليلة الأولى التي اجتمعت فيها (شهر زاد) مع الملك (شهر يار)، واتفقت معه فيها على أن تتوقف عن الحديث عند الفجر، وتكمل له القصة في الليلة التالية، يمكن اعتبارها الميلاد الرسمي لفكرة المسلسل التلفازي، بل الحلقة الأولى من أول مسلسل في التاريخ، مثلما يمكن اعتبار التسلسل في عرض الأحداث والشخوص والأزمنة والأمكنة والعقد والحبكات المكونة لقصصها، مطابق تماماً لعرض المسلسل التلفازي الحالي، ويمكن اعتبار كتاب ألف ليلة وليلة أول نص درامي مكتوب، وتُمثل جملتها الشهيرة التي كانت تقولها في كل ليلة: " مولاي الديك صاح .. نسكت عن الكلام المباح" الإعلان عن نهاية الحلقة، والإبقاء على عنصر التشويق واللهفة للحلقة القادمة، تماما كحالنا الآن مع أي مسلسل.

وعلى أساس من هذا، يظل آلالاف من مخرجي المسلسلات التلفازية وممثليها وكتاب نصوصها، مدينين لشهر زاد، فهي ليست مبدعة وذكية لكونها فقط استطاعت أن توقف غضب الملك (شهر يار) عن قتل النساء في ذاك الوقت .. وإنما أيضا لأنها استطاعت أن تؤسس لفكرة المسلسل التلفازي الذي نشاهده الآن.

وتظل أيضا حاجتنا لمراجعة ارثنا الحضاري العربي وكتبنا القيمة، التي تحمل في طياتها وثناياها الآلاف من الاكتشافات والمعارف والسبق في العلوم المختلفة.

Ebnalss7raa@hotmail.com