الطبلة

اخبار البلد- 

كانت مدرستي في الكرك تنظم بعض الرحلات لعمان, وكنت اشارك فيها.. أحببت السفر منذ صغري, وأحببت الطريق..

وفي كل رحلة مدرسية, كنت أحضر معي (طبلة).. كان لدي واحدة, حمراء مصنوعة من الفخار.. وأنا لم أكن أجيد الإيقاع، ولكن من مستلزمات الرحلات المدرسية وجود (الطبلة).. وقد كنت مختصا في هذا المجال.

حالما ينطلق الباص من الكرك, كنت أبدأ (بتحماية) الطبلة, وأحس أحيانا أني جئت إلى الرحلة فقط من أجل (التطبيل), وحالما نغادر الكرك ويبدأ الصحراوي, يرمي بقفره وشمسه على وجوهنا.. أبدأ (بالتطبيل).. بالضرورة أن يكون طلبة الخامس والسادس (ب) في حالة حماس عالية, وينطلق الغناء من أفواههم.. وأنا أنطلق وأحس بالأدرينالين يتدفق في عروقي.. وأعرف أن الإيقاع نشاز وغير متوافق مع الأغنية, وأعرف أن غناء الطلبة نشاز أيضا..فهم يركبون كلمات غبية على أغنية: (مرعية يالبنت مرعية).. وأنا أركب إيقاعات سخيفة.. ولكن المطلوب في هذه الحالة هو الفوضى والفرح, والفوضى غالبا ما تجلب الفرح.

كان بعض الطلبة يعترضون على إيقاعي, ولكني صاحب (الطبلة).. ولا أظن أن أحدا يجرؤ على أخذها مني, وأنا أظن أني كنت قائد الفوضى في الباص فحالما تنطلق (الطبلة) ينطلق الطلبة بالغناء وحالما أتوقف يسود الصمت..

حينما نصل عمان, كان لابد أن نزور مدينة الملاهي, والمركز الثقافي الملكي, ثم يأخذوننا لمطعم (شاورما) ثم نعود للكرك.. وأنا كنت أزور هذه الأماكن بمصاحبة (طبلتي) لم يكن لي قلب يطاوعني أن أتركها في الباص, ومن الممكن أن (أطبل) بها.. أتذكر أننا ذات مرة حين زرنا المركز الثقافي الملكي, قام أحدهم بالشرح لنا عن مميزات المسرح.. وأثناء الشرح (طبلت).. تلقيت على الفور صفعة من أستاذ الجغرافيا, لكن هذا لاينفي أبدا قيامي بفرض إيقاعي على المكان..

وحين يخيم المساء ونعود إلى الكرك يأكلنا التعب.. كنت أيضا أصعد في الإيقاع.. كان الطلبة يقومون بالشكوى إلى أستاذ الجغرافيا, ولكني كنت أستغل ضعف سمعه.. فهو لايسمع جيدا، وأستمر في التطبيل..

أنا كبرت الان.. كبرت كثيرا لم أعد طفلا, ماذا تغير؟.. لاشيء مازال المشهد هو نفسه.. والباص مازال هو الباص والطريق.. مازالت هي الطريق و (طبلتي) مازالت في يدي وها أنا أطلق الإيقاعات النشاز.. والرحلة على مايبدو مستمرة.

مشهد الباص في طفولتي, علمني أبجديات السياسة والوطن.. وعلمني أن (أطبل)..

(ومرعية يا البنت مرعية.. مرعية ولا بلا راعي).