مملكة الحزن
مملكة الحزن
اليوم ستطفأ يا حزن شمعتك الثامنة عشر ، فكل ألم وأنت بخير ، سأشتري لك الشمع وأشتري لك الحلوى وسأحضر لك هدية ستكون من بعض الذكريات ، وساترك لك حق أشعال الشمع ، فهل لديك يا حزن عود ثقاب ؟! اذن خذ من قلبي شعلة نار وحرقه .
سأطفئ لك الانوار والأضواء ، واعلق لك اجراسا من دموع ، وأشعل لك لحنا من وجعي ، أتريده وجعا هادئا كلاسيكيا ؟ ، ما رأيك بالوجع الصاخب ؟! اختار فكل انواع الوجع لدي .
أه يا حزن أراك كبرت ، وصرت أكثر فحولة ، صوتك تغير أصبح أكثر أنينا ، وخط شارب الأسى على وجهك ، فهل تلك حقا علامات الفجيعة ؟!
منذ ثمانية عشر عاما ونحن سويا ، أتذكر يوم ميلادك ، يوم قالوا أن زهور الياسمين ذبلت ، يوم أخبروني أن النخيل انحنت ؟! يومها ما صدقت فهل تنحني النخيل أساسا ؟! .
يومها قالوا بأن الربيع لن يأتي هذا العام ، ولن يكون هناك عسلا ولن يزهر اللوز ، علمت وقتها ان آخر مملكة للحب ، وللعشق ، وللحنان ، سقطت ، وترجل الفرسان ، فعيون أمي وقتها أطبقت ، وجدائلها الحرة أسدلت ، فماذا بعدهما سيشجع الفرسان ويلهمهم ؟
أه يا حزن ... كنت وقتها طفلا ، أضناه البرد وأشقاه الحب واتعبه الشوق ، وانهكه البعد والوحدة . أدري اني مثلك كبرت لكن من قال اني لست ما ازال على عهدي الاول وكما كنت ؟
أه يا حزن ، يا رفيق الألم والوجع ، أتدري اني ما زلت اسمع اهازيحها لليوم في اذني " يالله تنام واذبحلك طير الحمام " ، أتدري يا حزن اني وقتها نمت فورا فقد شفقت على ابناء الحمام ، فالحزن صعب . والذبح صعب ، اني مذبوح مذبوح مذبوح ، من الوريد الى الوريد .
أتدري يا حزن ... اني كلما توجعت وكلما تألمت ، أسمع صداها تقول " سلامتك يا ميمتي " ، واتخيلها ، بقربي ، رغم السهر ورغم البرد ورغم التعب ، جالسة قربي ، تقرأ معوذاتها على جبهتي حينا ، وتدعو الله حينا ، وتبكي علي حينا ، ترى يا حزن ، بعدها من سيسهر لأجلي ، وأي عيونا غيرها ستبكي ؟!
أه يا حزن ... والله اني مشتاق الى ذلك الحضن ، ومشتاق اكثر للبكاء فيه ، طعم البكاء فيه اجمل ، أريد ان أركض اليه وارتمي فيه ، وانسى اني في الثلاثين أريد ان اعود ذلك الطفل المدلل ، وأريد تلك الأيادي ان تمسح على رأسي وتقول " اسم الله عليك يمه " ، ولكني أعرف بأنك الحزن اللئيم فاحرقني بالشوق واللهفة اكثر .
مشتاق للاشار الأسود ، يوم تخلعه و"تعصب" فيه رأسي ، أساسا وقتها كنت أصطنع الوجع ، كي تقول لي " سلامتك انا ولا انت يا قليبي " ، وفي الليل كنت اصطنع البرد والخوف ، لتضمني اليها وتلملم جسدي في غطاها ، وتسألني كل شوي "دفيت يمه " ، يمه انا بردان كثير وكل الاغطية ما عاد تنفع .
أه يا حزن ... دعني لمرة واحدة اقول " يمه " ، فمنذ ثمانية عشر عاما لم أقلها ، دعني أقولها وترد كما كانت " أيوه يا حبيبي " . فأخبرها ان يدي تؤلمني ، فتقبلها ، وأخبرها ان عيني تؤلمني فتقبلها ، وأصبعي مجروح فتقبله ، وتسالني " طاب " ؟
آه يمه ... كل شيء اليوم يؤلمني فليتك قربي وتقبليه .
بنتي " ساره " صار عمرها شهران ، وللآن لم "نقمطها" ، فكل يوم انتظرك لتقومي أنت "بتقميطها" ، وتبخيرها ، ومازالت تنتظر منك "خرزة زرقا" ، أتذكرين خرزتي الزرقاء ؟! ليست هي من حمتني من العيون ، بل اهداب عينيك ، ترى عندما تكبر "ساره" وتسالني عنك ، ترى بماذا سأجيب ؟ وانا رغم علمي وايماني أين انت ، الا اني ما زلت اسال واحن وأشتاق اليك .
صار عمر الحزن ثمانية عشر عاما ، وأشتد عوده فيني ونما ، وشيد في جسدي النحيل وقلبي العليل مملكة أسماها مملكة الحزن .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com
اليوم ستطفأ يا حزن شمعتك الثامنة عشر ، فكل ألم وأنت بخير ، سأشتري لك الشمع وأشتري لك الحلوى وسأحضر لك هدية ستكون من بعض الذكريات ، وساترك لك حق أشعال الشمع ، فهل لديك يا حزن عود ثقاب ؟! اذن خذ من قلبي شعلة نار وحرقه .
سأطفئ لك الانوار والأضواء ، واعلق لك اجراسا من دموع ، وأشعل لك لحنا من وجعي ، أتريده وجعا هادئا كلاسيكيا ؟ ، ما رأيك بالوجع الصاخب ؟! اختار فكل انواع الوجع لدي .
أه يا حزن أراك كبرت ، وصرت أكثر فحولة ، صوتك تغير أصبح أكثر أنينا ، وخط شارب الأسى على وجهك ، فهل تلك حقا علامات الفجيعة ؟!
منذ ثمانية عشر عاما ونحن سويا ، أتذكر يوم ميلادك ، يوم قالوا أن زهور الياسمين ذبلت ، يوم أخبروني أن النخيل انحنت ؟! يومها ما صدقت فهل تنحني النخيل أساسا ؟! .
يومها قالوا بأن الربيع لن يأتي هذا العام ، ولن يكون هناك عسلا ولن يزهر اللوز ، علمت وقتها ان آخر مملكة للحب ، وللعشق ، وللحنان ، سقطت ، وترجل الفرسان ، فعيون أمي وقتها أطبقت ، وجدائلها الحرة أسدلت ، فماذا بعدهما سيشجع الفرسان ويلهمهم ؟
أه يا حزن ... كنت وقتها طفلا ، أضناه البرد وأشقاه الحب واتعبه الشوق ، وانهكه البعد والوحدة . أدري اني مثلك كبرت لكن من قال اني لست ما ازال على عهدي الاول وكما كنت ؟
أه يا حزن ، يا رفيق الألم والوجع ، أتدري اني ما زلت اسمع اهازيحها لليوم في اذني " يالله تنام واذبحلك طير الحمام " ، أتدري يا حزن اني وقتها نمت فورا فقد شفقت على ابناء الحمام ، فالحزن صعب . والذبح صعب ، اني مذبوح مذبوح مذبوح ، من الوريد الى الوريد .
أتدري يا حزن ... اني كلما توجعت وكلما تألمت ، أسمع صداها تقول " سلامتك يا ميمتي " ، واتخيلها ، بقربي ، رغم السهر ورغم البرد ورغم التعب ، جالسة قربي ، تقرأ معوذاتها على جبهتي حينا ، وتدعو الله حينا ، وتبكي علي حينا ، ترى يا حزن ، بعدها من سيسهر لأجلي ، وأي عيونا غيرها ستبكي ؟!
أه يا حزن ... والله اني مشتاق الى ذلك الحضن ، ومشتاق اكثر للبكاء فيه ، طعم البكاء فيه اجمل ، أريد ان أركض اليه وارتمي فيه ، وانسى اني في الثلاثين أريد ان اعود ذلك الطفل المدلل ، وأريد تلك الأيادي ان تمسح على رأسي وتقول " اسم الله عليك يمه " ، ولكني أعرف بأنك الحزن اللئيم فاحرقني بالشوق واللهفة اكثر .
مشتاق للاشار الأسود ، يوم تخلعه و"تعصب" فيه رأسي ، أساسا وقتها كنت أصطنع الوجع ، كي تقول لي " سلامتك انا ولا انت يا قليبي " ، وفي الليل كنت اصطنع البرد والخوف ، لتضمني اليها وتلملم جسدي في غطاها ، وتسألني كل شوي "دفيت يمه " ، يمه انا بردان كثير وكل الاغطية ما عاد تنفع .
أه يا حزن ... دعني لمرة واحدة اقول " يمه " ، فمنذ ثمانية عشر عاما لم أقلها ، دعني أقولها وترد كما كانت " أيوه يا حبيبي " . فأخبرها ان يدي تؤلمني ، فتقبلها ، وأخبرها ان عيني تؤلمني فتقبلها ، وأصبعي مجروح فتقبله ، وتسالني " طاب " ؟
آه يمه ... كل شيء اليوم يؤلمني فليتك قربي وتقبليه .
بنتي " ساره " صار عمرها شهران ، وللآن لم "نقمطها" ، فكل يوم انتظرك لتقومي أنت "بتقميطها" ، وتبخيرها ، ومازالت تنتظر منك "خرزة زرقا" ، أتذكرين خرزتي الزرقاء ؟! ليست هي من حمتني من العيون ، بل اهداب عينيك ، ترى عندما تكبر "ساره" وتسالني عنك ، ترى بماذا سأجيب ؟ وانا رغم علمي وايماني أين انت ، الا اني ما زلت اسال واحن وأشتاق اليك .
صار عمر الحزن ثمانية عشر عاما ، وأشتد عوده فيني ونما ، وشيد في جسدي النحيل وقلبي العليل مملكة أسماها مملكة الحزن .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com