قيادة رأس المال الفكري والبشري كقوى خلاقة
اخبار البلد-
لست بصدد دراسة استراتيجية التعاقب الوظيفي أو الإحلال الوظيفي حسب ما يرد في توصيفات الموارد البشرية، ولست محللا إدارياً في مركز دراسات أو مؤسسات المجتمع الإداري، ولا حتى أنوي القيام بما يمس المؤسسات والشركات فيما يتعلق بالتخطيط والتطوير الإستراتيجيين، ولكني أعمل على الإسهام بتقديم مقترح لإثراء الشأن العام فيما يتعلق بإعداد القادة والإداريين القادرين على تنمية رأس المال الفكري والبشري الرافد لمؤسسات المجتمع. واتجه للبدء بحوار في هذا المجال، والبداية أن جائحة كورونا وضعت المؤسسات والشركات الوطنية أمام تحديات جديدة حين استنزفت الاقتصاد بشكل يثير المخاوف المستقبلية القريبة والبعيدة، فالموارد أخذت تقل والمنح الخارجية بدأت تتضاءل بتأثير عام شمل العالم بأكمله، وهي ربما تستمر لفترة طويلة، ولذلك يجب أن نعتمد على أنفسنا في تطوير قدراتنا ومقدراتنا.
وسأضع مقترحاً للاعتماد على الذات فيما يتعلق بتطوير القدرات البشرية وبما يتعلق بالتعاقب الوظيفي الذي يضمن التطوير والارتقاء المؤسسي الذي يصب في مصب الاقتصاد الوطني للدولة، بتأسيس معهد هندرة القوى الخلاقة باستثمار رأس المال الفكري واكتشاف وتنمية الموارد البشرية لرفد المؤسسات والوزارات، وأن تكون هناك لجنة عليا على مستوى الدولة تقود التغيير والتمكين له، وهذا يضمن وجود رأس مال فكري وبشري في أي مؤسسة في فترات متعاقبة على أن تتم مساءلة هذه المؤسسات بمستويات جودة نتاجات رأس مالها الفكري والبشري ضمن معيار التجديد والاستمرارية في ضخ خبرات كفؤة، إذ تواجه المؤسسات نقص في الخبرات حين الاستغناء عنها.
وعلى القادة مسؤولية تدريب وتمكين قوى خلاقة تمثل القيادات الجديدة الواعدة وفتح قنوات نقل وتبادل الخبرات والمعارف من خلال تجميع خزين الخبرات المتوفر في القيادات الحالية بروح من الإيجابية والدعم والاحترام بعيدا عن احتكار المعرفة، فالقيادات الحالية يمكن أن تمتنع عن إعطاء الخبرة للقيادات والطاقات الجديدة خوفا على المواقع وليكونوا هم المصدر الوحيد للمعلومة والمعرفة إضافة إلى أسباب كثيرة أخرى، ولذلك يمكن خلق حوافز للقيادات الحالية وتقليدهم بعض الأعمال التشريفية والإدارية، والقيام بتوجيه مهام تدريبية مقابل الأجر في سنوات خدمتهم كاستشاريين وخبراء، ما يجعل خبراتهم تنساب إلى الأجيال الحالية بيسر ودون تكلفة من القيادات العليا، زيادة على أن معهد قيادة رأس المال الفكري واكتشاف وتنمية الموارد البشرية سيعمل على صقل الإبداع والإمكانيات للسير في أساليب مبتكرة لإنجاح مؤسساتهم بوسائل عصرية.
وعلى المؤسسات أن تركز على المتفوقين القادرين على إحداث التغيير المعاصر، وترقيتهم بواقع النتائج التي يحققونها بما يكافئ قدراتهم وكفاءتهم، والتخلص من الحمولة الزائدة في المؤسسة فلا مجال للترهل الذي يثقل كاهلها ولا مكان لذوي الكفايات المتواضعة فيها، دون إلحاقهم بجيش العاطلين عن العمل، إذ تتم إعادة تدريبهم وتأهيلهم وإلحاقهم ببرامج تنشيطية إثرائية وأخرى تمكينية، وبالتالي إعادة ضخهم إلى المؤسسات في الدولة والاستفادة من إمكانياتهم في مواقع مختلفة.
إذن فإن التعاقب الوظيفي المتضمن ترك المناصب لمن يستحقون، وإعطاء الحقوق في العمل للأكثر كفاءة والأكثر امتلاكا اتقانيا للكفايات ولذوي التخصصية القائمة على العلم والمعرفة، وعلى أساس الأحقية المعيارية ممن تم اكتشافهم في المؤسسات وتنميتهم وتدريبهم في المعهد الذي أعد لهذه الغاية سيضمن مقدرات فكرية وبشرية ضخمة خلاقة، وسيعمل بالضرورة على إعادة ضخ القادة الذين سيمكنهم المعهد من تطوير الدولة وسد الثغرات المختلفة فيها.