انتخابات القبيلة
اخبار البلد- القبيلة وحدة اجتماعية، وظاهرة إنسانية، فرابطة الدم قدر بشري، والقبيلةُ قبل نشوء الدولة تشكل ظاهرة مدنية مرحلية في طريق التطور الإنساني في انتقاله إلى التنظيم الاجتماعي بمفهومه الحديث، فهي تمثل مجتمعا إنسانيا ينظمه قانون داخلي تضعه القبيلة على نفسها في شكل أعراف وتقاليد، وتلتزم بقوانين خارجية في علاقاتها مع القبائل الأخرى.
ورغم كل شعر الفخر العربي، فإن القبلية ليست حكرا على العرب، فالهنود الحمر مثلا مثلوا ثقافة متكاملة في الفخر والذود وبناء القيم على أسس قبلية.
الدور السياسي للقبيلة العربية في منطقة الشرق الأوسط بدأ في بداية القرن التاسع عشر، وكله تعلق بالاصطفاف حول تأييد الامبراطورية العثمانية أو الانعتاق منها، الأمر الذي أملى التحالفات مع الإنجليز والفرنسيين من جانب أو مع الأتراك من جانب آخر أما روسيا فقد ظلت دائما حاضرة ولكن في خلفية المشهد، وهو الثلاثي (الإنجليزي، الفرنسي، الروسي) الذي اجتمع سرا وعلنا لتقسيم أملاك الإمبراطورية المحتضرة، وقد استحقت لقب الرجل المريض.
في الأردن وقبل تشكيل الإمارة وبعدها، لعبت القبيلة دورا أساسيا في توجه المنطقة عموما، والأردن خصوصا بتحرك سياسي قبلي قوامه تأييد مفهوم دولة الوحدة العربية برمزية إسلامية ومناهضة شعبية واعية للمشروع الصهيوني الذي مثل الخطر على الأرض والعرض والمقدسات، وقد كان الأفق القومي «للقبائل الأردنية» رحبا عروبيا حتى كان أول رئيس حكومة في الإمارة سوريا مقاوما للاستعمار، وكان من جانب آخرـ مع اعتزازه برمزية الإسلام ـ رافضا محاربا للتوجهات المتشددة دينيا في المنطقة، ورغم صدور أصوات تنادي بأولوية التمثيل الأردني في الحكومات آنذاك، إلا أن الشعور القومي الوحدوي ظل سيد المشهد السياسي في ضمير الإنسان الأردني السياسي، وعلى هذه الرؤى استقبل الوحدة مع الضفة الغربية، وظل جمع كبير من أبنائه متعلقون بالفكر الوحدوي القومي.
اجتمع الأردنيون على الدستور الأردني في شكله النهائي لعام ١٩٥٢، وفيه تم إعادة تأكيد توجه العقل السياسي الأردني باعتبار الشعب الأردني جزءا من الأمة العربية، وانتقلت الدولة – نظريا– من القانون العشائري إلى القانون «البرلماني» الذي يصدر عن البرلمان حيث رابطة المواطنة بما تحمله من حقوق وواجبات دستورية هي أساس الحكم، وفي هذا المسار صدر قانون إلغاء القوانين العشائرية الذي عُملَ به بتاريخ 16/6/1976، والذي نصت المادة 2 منه على أن تلغى القوانين التالية : (أ . قانون محاكم العشائر لسنة 1936. ب. قانون تأسيس محكمة استئناف عشائرية لسنة 1936. ج. قانون الاشراف على البدو لسنة 1936.)، ومن جانب آخر نص الدستور على أن تولي الوظائف العامة يكون حسب الكفاءة، وبهذا فإن البنية القانونية السياسية كانت جاهزة للانتقال نحو الدولة المدنية نظريا وعمليا، وانتشر العلم والتعليم في أوساط الأردنيين كافة، حتى أنك إينما وليت وجهك وجدت من الكفاءات ما يرفعُ لهُ العقال.
لذلك فإن التعلقَ بالعصبية ليست صفة ذاتية في الأردنيين، ولا في القبائل الأردنية، ومع الاعتزاز الكبير للأردنيين بإرثهم وبجميع العادات الإيجابية من الكرم والصفح، فإنهم أول من حمل لواء القانون وسيادته وقدم سيادة الدولة على مفهوم القبيلة.
غاية القول إن أي «ممارسات قبلية» ليست مقصودة لذاتها بل هي مؤشر على فراغ سياسي يجعل «الممارسات القبلية» هي الحل الممكن، وهي ما يؤكد حقيقة أن لا إصلاح دون إصلاح سياسي، وعليه ومن باب المصارحة والمكاشفة، يظل أن تسأل الدولةُ نفسها على أبواب مئويتها الأولى أين أخطأت حين أخفقت في أن تقدم للمواطنين في رابطة المواطنة ما يغنيهم عن رابطة العصبية؟، ومن جواب هذا السؤال يبدأ الإصلاح السياسي، وبه تنتهي حاجة الناس إلى الانتخابِ على أسس عشائرية أو جهوية، فاهم علي جنابك ؟!.