بخاطرك يا لحم
بخاطرك : كلمة اردنية تعني اودعك وانا اشتاق اليك هذه العباره التي اطلقها فلاح أردني من قرى مدينة أربد في الخمسينات من هذا القرن عندما ذهب ذات صباح الى هذه المدينه والتي كانت آنذاك المصدر الوحيد لتسوق شمال الاردن فبعد ان باع محصول القمح ( البيدر ) تجول في السوق القديم ليشتري المونه السنوية للبيت من مأكل ومشرب وملابس وأواني طبخ وبذور وبعد ان اشترى كل حاجياته ذهب الى اللحام كي يشترى رطل من اللحم والرطل كان وحدة الوزن السائده انذاك لكنه صعق من هول المفاجئة عندما اخبره اللحام ان سعر رطل اللحم قد ارتفع ثلاثة اضعاف عما كان علية في العام الماضي وسرعان ما لملم الفلاح نفسة وربط من جائشة ووضع يده في جيبه وبدأ يحسب نقوده لكنه اكتشف ان المبلغ لا يكفي ابدا فخرج من المحل ووقف امام الذبيحه المعلقة امام المحل واشهر يدا الوداع والدموع تنهمر من عينه لأن اطفاله حرموا اللحم هذا العام وربما اعوام عديده وقال للذبيحه " بخاطرك يا لحمة " .
وهنا دعني اسئل سؤال كم شريحة اردنية رفعت يد الوداع الى اللحمة منذ سنوات عديدة وقالت بخاطرك يا لحمة لأنه ؟ وبأختصار سعر كيلو اللحمة البلدية يتراوح ما بين عشره الى خمسة عشر دينار ومتوسط دخل الشريحه الاكبر من أسر الاردنيين ثلاث مائة دينار مقسمة ما بين مأكل ومشرب متواضع ومصاريف المدارس والجامعات ومواصلات يومية وكهرباء وماء ومناسبات اجتماعية اثقلت كاهل الأسرة الأردنية بأختصار نفذ الراتب فتخيل معي لو قررت هذه الاسره شراء ثلاث كيلو لحمة في الشهر فأنها حتما ستعلن افلاسها من تسعة الشهر وقس على ذلك ستون بالمئة من الأسر الأردنية على هذا الحال .
لذلك قد تضطر هذه الأسر ان تبحث عن سلعة بديلة بسعر اقل من خلال شرائها اللحوم المستورده وهذه اللحوم تتشابه مع اللحوم البلدية من حيث الشكل وتختلف عنها بتسعة وتسعون اختلاف اولها الطعم او المذاق وثانيها الرائحه واخرها نوعية اللحمة التي استهلكت هل هي لحيوان أليف مذبوح وفق الشريعة الأسلامية ام انها من فصيلة اخرى ربما تكون لحيوان مفترس صعق كهربائيا حتى فارق الحياة .
قد نستطيع ان نستغني عن اللحمة ولعدة سنوات لكن تقارير الصحة اثبتت ان خمسة وستون بالمئة من الأردنيين مصابين بنقص فيتامن B12 وان السبب الرئيسي لهذا النقص يعود الى قلة تناول اللحوم الحمراء ، اذا ماذا يفعل هذا المواطن المسكين اذا وفر ثمن اللحمة ؟ فأنه سيدفعها ثمنا للعلاج .
وكوني مواطن بسيط لا تعنيني السياسة لا من قريب ولا بعيد أريد أن اوجه سؤال الى اصحاب القرار في بلدي الحبيب لماذا ارتفعت اسعار اللحوم البلدية الى هذا الحد ومن سنوات عديدة رغم انني قرأت في احدى الصحف المحلية ان خاروفنا الاردني قد حل على موائد اخواننا القطريين في شهر رمضان هذا العام وبسعر 120 دينار اردني ؟ علما ان سعر الخاروف في الاردن يزيد عن 200 دينار اردني والمعروف عند الاقتصاديين وحتى الفلاحين ان السلعة اذا صدرت بيعت بسعر اعلى مما هو عليه في بلدها كما ان خروفنا البلدي العزيز على قلوبنا والبعيد عن جيوبنا خرج الى البلدان المجاوره كمحترف والمحترفون من لاعبي كرة القدم يتقاضون اضعاف مضاعفة عما كانوا عليه في انديتهم او ربما انطبق على خروفنا الاردني المثل القائل الغربة بتضيع الأصل على كل حال نحمد الله اننا مسلمين وفي بلد مسلم خصنا الله عزوجل بعيد الاضحى المبارك هذا العيد الذي تذبح به الذبائح وتوزع على فقراء المسلمين بالمجان وأعتقد انها لو لم تكن قد شرعت من عند الله لاختزلت هذه المكرمة كما اختزلت اعراسنا وتحولت من مناسف الى جاتوه اذا وبعد ان تنتهي مراسم العيد سنرفع نحن الاردنيين البسطاء اكف الوداع لنقولهـــا معا
" بخاطرك يا لحمة " .
بقلم : نزار محمود البطوش