من يحوّل كلام الملك عن الفساد إلى فعل؟

إن التعبير الذي يستخدم على المستوى الدولي بشأن حماية المبلِّغين عن الفساد هو حماية نافخ الصافرة فى إشارة إلى صافرة الحكم فى الألعاب الرياضية والتي تعني التنبية على الخطأ.


والسؤال هو : من يحمي نافخ الصافرة إن كان من الموظفين المطلعين في إحدى الوزارات أو الشركات المساهمة العامة والذين يدركون مدى خطورة التجاوزات والاختلاسات التي يقوم بها رؤسائهم والتي تلحق الضرر بالآف الناس ومصالحهم؟ كيف سنحقق الإصلاح المزعوم وكيف سنشعر بالإنتماء والغيرة على وطننا ونسعى إلى حمايته، ونحن نرى كل يوم من اختلسوا عشرات الملايين لا يسألون ولا يحاسبون؟ بل ويجلسون في المنتدى الاقتصادي العالمي ويدلون بدلوهم بشأن الإصلاحات الدستورية، وكأن ملفاتهم العديدة المفتوحة في هيئة مكافحة الفساد والحبل على الجرار ما هي إلا أضغاث أحلام مزعجة أحيانا!


إن الإصلاح الحقيقي سواء السياسي أو الاقتصادي لا يبدأ من الشعارات والخطب الرنانة ولا من أعلى الهرم، إنما يبدأ بزرع الثقة في نفوس الموظفين الذين هم فى موقع مناسب لنفخ الصافرة، فموظف فني مختص واثق من نفسه لا يستطيع رئيسه أن يتجاوز القانون يمينا أو شمالا. ولكن هؤلاء لا يتشجعون على ممارسة هذا الدور الحيوى خوفا من مكائد الفاسدين، فيلجأ إلى الصمت رغم كل هذا الربيع الذي نشهده.


سيبقى هذا الخوف مسيطر على هؤلاء وسيبقى الإصلاح مجرد قصيدة يرددها الوزراء ورؤسائهم المتعاقبين، لسبب بسيط لأننا لم نر إلى الآن نتائج ملموسة وجدية في التعامل مع مئات ملفات الفساد المتراكمة في هيئة مكافحة الفساد.


ففي ظل وجود إجراءات بيروقراطية غير مأمونة العواقب، فمن المحتمل أن يأتي إتصال من هنا أو هناك فيكتب على القضية (للحفظ)، وعندها يستيقظ أخونا من حلمة المزعج.. ليس بالخيار الذهبى للموظف أن يقوم بإبلاغ الجهات الرقابية الخارجية (مثل هيئة مكافحة الفساد)، لأنه لا زال هناك اعتقاد سائد بأن علاقات المسؤولين الكبار وسطوتهم ستجعل منه مجرما بينما الفاسد ستلقى عليه صفة رجل أعمال محسود تضرر من الأزمة العالمية.


أمام هذه العوائق، لا يبقى أمام الموظفين الصادقين سوى سبيل واحد ألا وهو اللجوء إلى وسائل الإعلام كملاذ أخير لبث شكواهم وشكوكهم فى نزاهة أعمال رؤسائهم أو مدرائهم في العمل. وإلا ما الذي يدفع بعض الموظفين في إحدى الجهات الرقابية المالية إلى أن يلجأ إلى إحدى المنتديات لإفشاء معلومات عن فساد رئيسه.


ولكن الافشاء لوسائل الاعلام يؤدى في الغالب إلى إثارة رد فعل دفاعى موغل فى التفاؤل من قبل الاجهزة الحكومية التي تبادر إلى الانكار التام أو التزام الصمت المطبق وحتى اذا ما ووجهت بوثائق تؤكد صحة الافشاء فإنها ستلوث سمعة المُبلـغ والتشكيك فى دوافعـه (الحقد – الجنون – اللامبالاة، عدم المعرفة،... الخ).


إن ما سبق تفصيله بشأن الخيارات المتاحه أمام الموظفين الراغبين فى إصلاح المؤسسات التي يعملون فيها سواء كانت أجهزة حكومية أو شركات مساهمة عامة ليؤكد أن هناك حاجة ماسة إلى إجراءات فعّالة يكفلها القانون بطريقة واضحة من أجل تمكين الموظفين (الحكوميين خاصة) من إثارة ما يساورهم من شكوك وهم على يقين من الاستجابة لشكاويهم ودون خوف من أن يلحق بهم أى أذى أو عمل انتقامى.


أنا لا أشكك في نزاهة هيئة مكافحة الفساد، ولكن يحق لنا أن نتساءل هل عمل الهيئة يخضع لاعتبارات سياسية بحجة الحفاظ على سمعة الحكومة أو عدم الرغبة فى التشهير بها أو التشكيك في نزاهة رؤساء بعض الهيئات المستقلة؟ بحيث يصل الأمر إلى هذا التساهل. إلى كل موظف في هيئة مكافحة الفساد: إعلموا أن صلاح البلاد بين أيديكم، فإنجازكم للقضايا التي لديكم ستبني الثقة في نفوس الناس والموظفين في شتى المؤسسات ، وستردع كل من تحدثه نفسه بفساد.


إلى كل مسؤول أو رئيس هيئة يتدخل في عمل القضاء فيتصل ليثير شفقة القاضي (أو المدعي العام) على حال السوق فيدافع عن الفاسدين أو ليؤخر إصدار الحكم عليهم بحجة وضع السوق المتدهور، انتبهوا فهناك تسجيل صوتي لمكالماتكم. إلى كل من يستطيع أن ينفخ في الصافرة: إعلم بأن جلالة الملك تكفل بحمايتك. فقد انكشف كل شيء بعد أن انزاح ستار الأزمة العالمية، فالأسواق العالمية التي ضربتها الإزمة تعافت بل تعيش الآن في أحسن مستوياتها، بينما نحن الذين لم يكن للأزمة العالمية أي تأثير مباشر على اقتصادنا لا زلنا نتدهور، والسبب بسيط هو أن فئة قليلة تم ضبطها ولم تحاسب بعد: استغلت تلك الأزمة وساعدها من ساعدها من الجهات الرقابية فسطت على المال العام.


لا أحد فوق القانون! ..الكل خاضع للمساءلة! .. لا زال هذا الكلام كلاما حين نرى أن هذه الفئة لا زالت فوق القانون بعد أن اعترفت وعرضت تسويات. ماذا ننتظر أكثر من أن أحدهم إعتدى على أموال المساهمين في أكثر من أربع شركات؟ - أين الجدية في محاكمة الفاسدين وفي استرداد الأموال المنهوبة؟ تمضي الشهور الطوال وعشرات القضايا المفتوحة أمام القضاة والإدعاء العام. لماذا لايتم وضع آلية تسرّع الإنجاز بحيث يتم من خلالها تفريغ المدعي العام بشكل كامل للتحقيق في قضية واحدة ذات أولوية وبعد إنجازها ينتقل إلى ما بعدها؟ - أين الجدية حيث لم يوضع أحد من المتورطين على ذمة التحقيق رغم ضخامة الأموال المنهوبة؟


أين الجدية، والقاصي والداني يعرف أن فلانا بعينه هو سبب خراب السوق ومنشأ كل فساد، ولكن لا أحد يجرؤ من رؤساء الوزارات أن يزيحه، بل كلما جاءنا رئيس جديد يقول لن أتعب نفسي به سأترك الأمر لمن يأتي بعدي، وهكذا ينتقل الدلو من رئيس إلى آخر. فمن يوقف هذا الدلو المهترئ؟ فحين نلمس الجدية في محاسبة الفاسدين عندها سيتحول كلام جلالته إلى فعل يعم خيره كل مؤسسات الوطن.

الكاتب

للمزيد http://www.amman-stock.com/showthread.php?t=61474