للفساد أيضا مواسم

‏ مخطئ من يظن أن صور الفساد مقتصرة على الفساد المالي والإداري الذي ‏استشرى في هذا الزمان وأصبحت تقرع طبول الحرب معلنة قيامها علية من ‏المواطن المعدم ومن المعارضة التي كشفت الأيام أنهما أنظف أياد من كثير من ‏المسئولين الذين تصدروا للعمل العام فكانوا عبارة عن بواليع للمال العام أينما سنحت ‏لهم الفرصة أو وجدوا ثغرة في القانون ليتسللوا منها ليملئوا جيوبهم وحقائبهم قبل ‏مغادرة المناصب فاستنزاف موارد البلد بتخبط قراراتهم الارتجالية والمزاجية ‏والتكرم بأموال العامة تحت مسميات مختلفة وتشكيل مافيا مصالح في مختلف أركان ‏الدولة هي حقوق مكتسبة لهم وكأن القائم على المال العام والمصلحة العامة منهم ‏يحكم في مزرعته وينفق من جيبه أو يكرم من مال قد ورثه عن أمه أو أبيه.‏
‏ فصور الفساد كثيرة وله مواسم ينشط بها أيضا، وتبعات هذا الفساد يتحملها ‏المواطن وحده، وينعم بثمرتها الفاسدين، ففي هذا الشهر المبارك تُستغل حاجة الناس ‏لشراء الأضاحي وتطبيق سنة نبوية هذا موسمها، برفع أسعار الأضاحي التي ‏أصبحت حلم لكثير من أصحاب الدخل المحدود، وان عملية شراء أضحية هذه العام ‏تتطلب عمل جمعية ليتمكن الموظف العادي من شراء أضحيته، فليس من المعقول أن ‏يقفز سعر الأضحية ليصل إلى راتب شهر لكثير من موظفي الدولة المرهقة دخولهم ‏أصلا بالالتزامات الشهرية التي لا مفر لهم منها.‏
‏ فهل تكلفة الأضحية على سلسلة التجار الذين يتاجرون بهذه السلعة من بلد ‏استيرادها إلى أن تصل إلى المستهلك النهائي توصلها إلى هذا السعر المرتفع، أم أن ‏التجار يدركون الحاجة الملحة عند الناس فيستغلون هذا الموسم لرفع هامش الربح ‏ولا تأخذهم بالناس رحمة، فإن كان الأمر كذلك فأين أخلاق التاجر المسلم، أم هي ‏حرب على السنة النبوية من حيث ندري أو لا ندري، أم هي مافيا احتكارات تترعرع ‏بأحضان ورعاية رسمية، فهل شروط منح رخص الاستيراد لهذه السلعة مفصلة لفئة ‏محدده بحيث تحتكرها جهة واحده تملي شروطها حتى على الراعي الرسمي للجهات ‏المسئولة عن هذه الرخص التي تمس مصالح المواطنين حتى تقول التقارير أن ‏الأردن أغلى الدول العربية بأسعار الحوم. ‏
‏ ولا يقتصر الأمر على سعر الأضاحي وحسب بل إن الأمر أيضا تعدى ليشمل ‏سوق الملابس فأسعارها كأنها في بورصة وأثيرت فيها شائعة حرب في منطقة ‏الخليج العربي فتضاعفت الأسعار حتى عجز أرباب الأسر من تلبية احتياجات أبنائهم ‏لجشع كثير من التجار في موسم العيد.‏
‏ وليت الأمر وقف عند هذا الحد فالموسم أيضا موسم حج وهذا أعطا لضعاف ‏النفوس من السماسرة والمحتالين وسيلة للعبث بمشاعر الناس فيوهموهم بمقدرتهم ‏على تأمينهم بتأشيرات للحج من تحت الطاولة كما يدعون فيستوفوا منهم الرسوم ‏والأتعاب ولا يفطن المواطن المسكين انه وقع ضحية محتال امتهن هذا النوع من ‏النصب في موسم الحج، وحتى من خرج في جماعات الحجاج الرسمية هاهم يقولون ‏أن الخدمات التي نصت عليها عقود الخدمة مع شركات خدمات الحجاج لم تصل ‏للمستوى المتفق علية وأنهم دفعوا مبالغ أعلى ولم يحصلوا على الخدمات المرجوة ‏فكانوا ضحية فساد في موسم الحج.‏
‏ فهذا الفساد الذي تنبأت به الملائكة عند خلق آدم عليه السلام قد استشرى بيننا ‏لدرجة انه أصبح مهنة وصفة لخاصة القوم فلا يكاد يسلم من الانغماس به إلا من ‏رحم ربي.‏

kayedrkibat@gmail.com